يقول ابن جرير في تفسيره لهذه الآية:"فقال جلَّ ثناؤه لعباده، مُنبِّهًا لهم على ضلالتهم وكفرهم {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا}، يقول: أيها النَّاس، هؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم، هم أهل الكفر بي، المستحقون عذابي والخلود في ناري حقًّا، فاستيقنوا ذلك، ولا يشككنَّكم في أمرهم انتحالهم الكذب، ودعواهم أنهم يقرُّون بما زعموا أنهم به مقرُّون من الكتب والرُّسل، فإنهم في دعواهم ما ادعوا من ذلك كَذَبَةٌ.
وذلك أن المؤمن بالكتب والرسل، هو المصدّق بجميع ما في الكتاب الذي يزعم أنه به مصدق، وبما جاء به الرسول الذي يزعم أنه به مؤمن.
فأمَّا من صدَّق ببعض ذلك وكذَّب ببعض، فهو لنبوة من كذَّب ببعض ما جاء به جاحد، ومن جحد نبوة نبي فهو به مُكذِّب.
وهؤلاء الذين جحدوا نبوة بعض الأنبياء، وزعموا أنهم مصدقون ببعض، مُكذِّبون من زعموا أنهم به مؤمنون، لتكذيبهم ببعض ما جاءهم به من عند ربهم، فهم بالله وبرسله الذين يزعمون أنهم بهم مصدقون، والذين يزعمون أنهم بهم مكذِّبون كافرون" (١).
وهكذا قرَّر ابن القيم - رحمه الله - حيث قال: "وهكذا الحكم في كلِّ من فرق الحق فآمن ببعضه وكفر ببعضه، كمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، وكمن آمن ببعض الأنبياء وكفر ببعض، لم ينفعه إيمانه بما كفر به حتى يؤمن بالجميع.
ونظير هذا التفريق من يردّ آيات الصفات وأخبارها ويقبل آيات الأوامر والنواهي، فإن ذلك لا ينفعه لأنه آمن ببعض الرسالة وكفر ببعض، فإن كانت الشبهة التي عرضت لمن كفر ببعض الأنبياء غير نافعة له، فالشبهة التي عرضت لمن