للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا يتبيَّن خطأ وقصور المتكلِّمين في بيان إعجاز القرآن وحصره في جانبٍ واحد، قال ابن القيم - رحمه الله -: " ... وما اشتمل عليه من الأمور التي تعجز قوى البشر على الإتيان بمثله الذي فصاحته ونظمه وبلاغته فردٌ من أفراد إعجازه.

فتأمّل هذا الموضع من إعجاز القرآن تعرف فيه قصورَ كثيرٍ من المتكلِّمين وتقصيرهم في بيان إعجازه وأنهم لن يوفوه عشر معشار حقِّه حتى قصر بعضهم الإعجاز على صرف الدواعي عن معارضته مع القدرة عليها, وبعضهم قصر الإعجاز على مجرَّد فصاحته وبلاغته, وبعضهم على مخالفة أسلوب نظمه لأساليب نظم الكلام, وبعضهم على ما اشتمل عليه من الإخبار بالغيوب، إلى غير ذلك من الأقوال القاصرة التي لا تشفي ولا تجدي، وإعجازه فوق ذلك ووراء ذلك كلِّه" (١).

وقد خالف ابن عجيبة المعتزلة في قولهم بأنَّ وجه الإعجاز هو المنع من معارضته، والصرفة عند التحدِّي بمثله (٢).

وبهذا القول وافق الحق؛ "لأن إجماع الأُمَّة قبل حدوث المخالف أنَّ القرآن هو المعجز، فلو قلنا: إنَّ المنع والصرفة هو المعجز، لخرج القرآن عن أن يكون معجزًا، وذلك خلاف الإجماع.

وإذا كان كذلك عُلِمَ أنَّ نفس القرآن هو المعجز؛ لأن فصاحته وبلاغته أمرٌ خارقٌ للعادة؛ إذ لم يوجد قطُّ كلامٌ على هذا الوجه، فلما لم يكن ذلك الكلام مألوفًا معتادًا منهم، دلَّ على أنَّ المنع والصرفة لم يكن معجزًا" (٣).


(١) بدائع الفوائد ٤/ ١٣٥.
(٢) قال الشهرستاني الأشعري عن النظَّام المعتزلي: "قوله في إعجاز القرآن إنه من حيث الإخبار عن الأمور الماضية والآتية، ومن جهة صرف الدواعي عن المعارضة، ومنع العرب عن الاهتمام به جبرًا وتعجيزًا، حتى لو خلاهم لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثلة بلاغة وفصاحة ونظمًا". الملل والنحل ١/ ٥٧.
(٣) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي ١/ ١١٩.

<<  <   >  >>