للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن القيم - رحمه الله -: "ولولا أنَّ الله - عز وجل - تولَّى حفظ القرآن بذاته وضمن للأُمَّة ألا تجتمع على ضلالة، لأصابه ما أصاب الكتب قبله" (١).

وقال أيضًا: "فالله سبحانه حفظ محلَّه، وحفظه من الزيادة والنقصان، والتبديل، وحفظ معانيه من التحريف، كما حفظ ألفاظه من التبديل، وأقام له من يحفظ حروفه من الزيادة والنقصان، ومعانيه من التحريف والتغيير" (٢).

وهذه الميزة لم تحصل للكتب السَّابقة، بل دلَّت الأدلة على التحريف الذي حصل بها.

قال ابن جرير الطبري في تفسيره لقول الله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (٣).

"ويعني بقوله: {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ}، ثم يبدِّلون معناه وتأويله ويغيرونه، وأصله من (انحراف الشَّيءِ عن جهته)، وهو ميله عنها إلى غيرها، فكذلك قوله: {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} أي يميلونه عن وجهه ومعناه الذي هو معناه، إلى غيره، فأخبر الله جلَّ ثناؤه أنهم فعلوا ما فعلوا من ذلك على علمٍ منهم بتأويل ما حرَّفوا، وأنه بخلاف ما حرَّفوه إليه، فقال: {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، يعني: من بعد ما عقلوا تأويله، {وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، أي: يعلمون أنهم في تحريفهم ما حرفوا من ذلك مبطلون كاذبون" (٤).


(١) هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ١/ ٣١٥.
(٢) التبيان في أقسام القرآن، ص ٩٩، وينظر: الجواب الصحيح ٣/ ١٨.
(٣) سورة البقرة: ٧٥.
(٤) جامع البيان في تأويل القرآن ٢/ ٢٤٨.

<<  <   >  >>