للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويرى ابن عجيبة أنَّ هناك فرقًا بينهما حيث قال عند تفسيره لقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (١): "الرَّسولُ يُوحى إليه بشرعٍ ويُؤمر بالتبليغ، والنَّبيُّ يُوحى إليه ولم يُؤمر بالتبليغ، فالرَّسول مكلَّفٌ بغيرِه، والنَّبيُّ مقتصرٌ على نفسه" (٢).

وقد ردَّ الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - هذا التفريق فقال: "وآية الحج هذه تبيِّن أنَّ ما اشتهر على ألسِنة أهل العلم من أنَّ النَّبيَّ هو من أُوحيَ إليه وحيٌ ولم يُؤمر بتبليغه، وأنَّ الرسول هو النَّبيُّ الذي أُوحيَ إليه وأُمِرَ بتبليغِ ما أُوحي إليه غيرُ صحيح؛ لأنَّ قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} (٣)، يدلُّ على أنَّ كُلَّا منهما مُرْسَل، وأنهما مع ذلك بينهما تغاير، واستظهر بعضهم أنَّ النبي الذي هو رسول أُنزل إليه كتابٌ وشرعٌ مستقلٌّ مع المعجزة التي ثبتت بها نبوته، وأنَّ النبي المرسل الذي هو غير الرَّسول، هو من لم ينزل عليه كتابٌ وإنما أُوحي إليه أن يدعو الناس إلى شريعة رسول قبله، كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يُرسلون ويُؤمرون بالعمل بما في التوراة; كما بيَّنه تعالى بقوله: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} (٤) ", (٥).

ووضَّح شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - الفرق بين النَّبيِّ والرَّسول فقال: "فالنَّبي


(١) سورة الحج: ٥٢.
(٢) البحر المديد ٣/ ٥٤٤، وينظر: اللوائح القدسية في شرح الوظيفة الزروقية، ص ١٠٧.
(٣) سورة الحج: ٥٢.
(٤) سورة المائدة: ٤٤.
(٥) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ٥/ ٢٩٠.

<<  <   >  >>