للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو الذي ينبئه الله، وهو ينبئ بما أنبأ الله به؛ فإن أُرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالةً من الله إليه فهو رسول، وأمَّا إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله، ولم يُرسل هو إلى أحدٍ يُبلغه عن الله رسالة فهو نبيٌّ وليس برسول؛ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} وقوله: {مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ}؛ فذكر إرسالًا يعمُّ النَّوعين، وقد خصَّ أحدهما بأنَّه رسول؛ فإنَّ هذا هو الرَّسول المطلق، الذي أمره بتبليغ رسالته إلى من خالف الله كنوح، وقد ثبت في الصحيح أنّه أوَّلُ رسولٍ بُعث إلى أهل الأرض، وقد كان قبله أنبياء؛ كشيث، وإدريس - عليهما السلام -، وقبلهما آدم كان نبيًّا مُكلَّمًا، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: كان بين آدم ونوح، عشرة قرون كلهم على الإسلام (١)، فأولئك الأنبياء يأتيهم وحي من الله بما يفعلونه ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم؛ لكونهم مؤمنين بهم، كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلِّغه العلماء عن الرَّسول، وكذلك أنبياء إسرائيل يأمرون بشريعة التوراة، وقد يُوحى إلى أحدهم وحيٌ خاصٌّ في قصَّةٍ معيَّنة ...

فالأنبياء ينبئهم الله؛ فيُخبرهم بأمره، ونهيه، وخبره، وهم يُنبئون المؤمنين بهم ما أنبأهم الله به من الخبر، والأمر، والنهي، فقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} دليلٌ على أن النَّبيَّ مرسل، ولا يُسمَّى رسولًا عند الإطلاق؛ لأنَّه لم يُرسل إلى قومٍ بما لا يعرفونه، بل كان يأمر المؤمنين بما يعرفونه أنَّه حقّ؛ كالعالِم، ولهذا قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «العلماء ورثة الأنبياء» (٢)، وليس من


(١) ينظر: فتح الباري ٦/ ٣٧٢، أمَّا هذا العدُّ فثابت في عدد القرون بين آدم ونوح من حديث أبي أمامة: إنَّ رجلًا قال: يا رسول الله أنبيٌّ كان آدم؟ قال: «نعم» قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: «عشرة قرون»، أخرجه الطبراني في الأوسط ١/ ١٢٨، رقم ٤٠٣, قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ١/ ١٩٦، وأخرجه أيضًا: الطبراني في الكبير ٨/ ١١٨، رقم ٧٥٤٥، والحاكم في مستدركه ٢/ ٢٦٢، وصححه، ووافقه الذهبي وابن حبان في صحيحه رقم ٦١٩٠، قال الهيثمي: ورجاله في الصحيح غير أحمد بن خليد الحلبى وهو ثقة ٨/ ٢١٠.
(٢) أخرجه أحمد في مسنده ٥/ ١٩٦، وأبو داود في سننه، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم ٣٦٤١، والترمذي، كتاب العلم، باب فضل الفقه على العبادة ٥/ ٤٨، رقم ٢٦٨١، وابن ماجه في سننه في المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم ٢٢٣، قال الحافظ بن حجر: وضعفه الدارقطني في العلل ٦/ ٢١٦ - ٢١٧، وهو مضطرب الإسناد، قاله المنذري: مختصر سنن أبي داود ٥/ ٢٤٣ - ٢٤٤، والتلخيص الحبير ٣/ ١٦٤، والحديث ضعَّفه الألباني. ينظر: ضعيف الجامع وزياداته ١/ ٥٦٦ رقم ٣٨٨٩.

<<  <   >  >>