للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورأي ابن عجيبة في حقِّ الرُّسل والأنبياء -عليهم السَّلام- هو الصواب، فقد ثبت عن النِّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: «أنا النَّبيُّ لا كذب أنا ابن عبد المطلب»، قال رجل للبراء بن عازب - رضي الله عنهما -: أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ قال: لكنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَفر، إنَّ هوازن كانوا قومًا رُمَاةً وإنَّا لمَّا لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا، فأقبل المسلمون على الغنائم واستقبلونا بالسِّهام، فأمَّا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يَفر فلقد رأيته وإنه لعلى بغلته البيضاء وإن أبا سفيان آخذٌ بلجامها والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أنا النَّبيُّ لا كذب أنا ابن عبد المطلب» (١).

ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا النبي لا كذب»: أي حقًّا، ويرجع مراده في ذلك إلى وجوده هناك حقًّا؛ ليعلمهم بنفسه فيثبتوا بثباته، أو يكون ثبتًا حقًّا، ومن صفات الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين: أنهم لا يفرون، أو أنه لا كذب في حديثه، وما أخبرهم من غلبتهم وظهورهم على عدوهم، وليذكرهم بنبوته؛ لتقوى بصائرهم بوفاء عهده وظهور أمره" (٢).

والأنبياء صلوات الله عليهم معصومون فيما يخبرون به عن الله - عز وجل - وفي تبليغ رسالاته باتفاق الأُمَّة (٣)، ولهذا كان الذي عليه سلف الأُمَّة وأئمَّتها أنَّ الأنبياء إنما هم معصومون من الإقرار على الذنوب.

والقول بأنَّ الأنبياء عُصموا عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف ... حتى إنَّ هذا قول أكثر الأشعرية وهو أيضًا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقه، بل لم ينقل عن السَّلف والأئمة والصحابة والتابعين


(١) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد، باب من قاد دابة غيره في الحرب، ٦/ ٦٩، رقم ٢٨٦٤.
(٢) إكمال المعلم بفوائد مسلم ٦/ ١٣٢.
(٣) ينظر: مجموع الفتاوى ١٠/ ٢٨٩.

<<  <   >  >>