للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن تيمية - رحمه الله -: "لما كان ولي الله - عز وجل - يجوز أن يغلط لم يجب على الناس الإيمان بجميع ما يقوله إلا أن يكون نبيًّا، ولا يجوز له أن يعتمَّد على ما يلقى إليه في قلبه ... مما يراه إلهامًا ومحادثة وخطابًا، بل يجب عليه أن يعرض ذلك جميعه على ما جاء به محمَّد - صلى الله عليه وسلم - فإن وافقه قبله، وإن خالفه لم يقبله، وإن لم يعلم أموافق هو أم مخالف توقّف فيه" (١).

ولا يتصوَّر عاقلٌ أن يُعطى الولي مثل النَّبي، قال ابن تيمية - رحمه الله -: " فمن أين يحصل لغير الأنبياء نورٌ إلهيٌّ تُدرك به حقائق الغيب وينكشف له أسرار هذه الأمور على ما هي عليه، بحيث يصير بنفسه مدركًا لصفات الرَّب وملائكته، وما أعدَّه الله في الجنَّة والنَّار لأوليائه وأعدائه؟ وهذا الكلام أصله من مادة المتفلسفة والقرامطة الباطنية (٢)، الذين يجعلون النبوة فيضًا من العقل الفعَّال على نفس النَّبي، ويجعلون ما يقع في نفسه من الصور هي ملائكة الله، وما يسمعه في نفسه من الأصوات هو كلام الله، ولهذا يجعلون النُّبوة مكتسبة، فإذا استعد الإنسان بالرياضة والتصفية فاض عليه ما فاض على نفوس الأنبياء، وعندهم هذا الكلام باطلٌ باتفاق المسلمين واليهود والنصارى" (٣).

وقال أيضًا: "ولا يتصور أنَّ الولي يُعطى ما أعطيه النَّبي من المشاهدة والمخاطبة، وأفضل الأولياء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - ونحوهم.


(١) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ص ٥١ - ٥٥.
(٢) القرامطة الباطنية: إحدى الفرق المنتسبة للإسلام، مؤسسها ميمون القداح، ومحمد بن الحسن الملقب بدندن، وظهرت في زمن المأمون وسبب تسميتهم: قولهم: إن للقرآن ظاهر وباطن، وقد تأوَّلوا أصول الدين، وشرائعه، ومن ألقاب هذه الفرقة: القرامطة، الإسماعيلية، المزدكية. ينظر: الفرق بين الفرق، ص ٢٥٠، والتبصير في الدين، ص ١٤٠ - ١٤٧، وتلبيس إبليس، ص ١٢٤.
(٣) درء تعارض العقل والنقل ٥/ ٣٥٣.

<<  <   >  >>