للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (١)، وهذا التكليم مختصٌّ ببعض الرُّسل كما قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (٢)، وقال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} (٣)، وقال بعد ذكر إيحائه إلى الأنبياء: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (٤)

فمن جعل هذا من جنس الوحي الأول -كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة ومن تكلَّم في التصوف على طريقهم- فضلاله ومخالفته للكتاب والسُّنَّة والإجماع بل وصريح المعقول من أبين الأمور، وكذلك من زعم أنَّ تكليم الله لموسى إنما هو من جنس الإلهام والوحي، وأنَّ الواحد منَّا قد يسمع كلام الله كما سمعه موسى - كما يوجد مثل ذلك في كلام طائفة من فروخ الجهمية الكلابية (٥) ونحوهم- فهذا أيضًا من أعظم الناس ضلالًا" (٦)، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (٧).


(١) سورة طه: ١١.
(٢) سورة البقرة: ٢٥٣.
(٣) سورة الأعراف: ١٤٢.
(٤) سورة النساء: ١٦٤ ..
(٥) الكُلَّابية: طائفة كلامية تُنسب إلى عبد الله بن سعيد القطان، المشهور بابن كُلَّاب، حاول الرد على المعتزلة بالعقل، وله مقولات فاسدة منها: القول بنفي الحرف والصوت عن كلام الله تعالى وقال بأنه كلامٌ نفسي، وأنَّ القرآن ليس كلام الله على الحقيقة بل هو حكاية عن كلام الله، ونفى الصفات الاختيارية؛ نتيجة القول بنفي حلول الحوادث في ذات الله تعالى، وابتدعوا البحث عن كيفية الصفة فأفضى بهم إلى التشبيه، قال عنهم ابن تيمية: " كان الناس قبل أبي محمد بن كُلَّاب صنفين، فأهل السُّنَّة والجماعة يثبتون ما يقوم بالله تعالى من الصفات والأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها، والجهمية من المعتزلة وغيرهم تنكر هذا وهذا، فأثبت ابن كُلَّاب قيام الصفات اللازمة به، ونفى أن يقوم به ما يتعلَّق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها ... " توفي سنة ٢٤٠ هـ، ينظر: الفِصَل ٥/ ٧٧، والرد على من أنكر الحرف والصوت، ص ٨٠، ٨٣، ١٠٦، ٢٢٢، ودرء تعارض العقل والنقل ١/ ٣٦٧.
(٦) الرسائل والمسائل ٣/ ٩٦.
(٧) سورة الأنعام: ٢١.

<<  <   >  >>