للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتأخِّرين، وقد يكون الصوت الذي يسمعه خارجًا عن نفسه من جهة الحق تعالى على لسان ملك من ملائكته، أو غير ملك وهو الذي أدركته الجهمية من المعتزلة ونحوهم واعتقدوا أنه ليس لله تكليم إلا ذلك وهو لا يخرج عن قسم الوحي الذي هو أحد أقسام التكليم أو قسيم التكليم بالرسول.

وهو (القسم الثاني) حيث قال تعالى: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (١)، فهذا إيحاء الرَّسول، وهو غير الوحي الأول من الله الذي هو أحد أقسام التكليم العام، وإيحاء الرَّسول أيضًا (أنواع) ففي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - أنَّ الحارث بن هشام سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: كيف يأتيك الوحي؟ قال: «أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدُّه عليَّ فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانًا يتمثَّل لي الملك رجلًا فيكلِّمني فأعي ما يقول»، قالت عائشة - رضي الله عنها -: ولقد رأيتُه نزل عليه في اليوم الشَّديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصَّد عرقًا (٢).

فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنَّ نزول الملك عليه تارةً يكون في الباطن بصوتٍ مثل صلصلة الجرس، وتارةً يكون متمثِّلًا بصورة رجلٍ يكلِّمه ... وقد سَمَّى الله كلا النوعين -إلقاء الملك وخطابه- وحيًا؛ لما في ذلك من الخفاء؛ فإنه إذا رآه يحتاج أن يعلم أنه ملك وإذا جاء في مثل صلصلة الجرس يحتاج إلى فهم ما في الصوت.

و (القسم الثالث) التكليم من وراء حجاب كما كلَّم موسى - عليه السلام - ولهذا سمى الله هذا (نداءً) و (نجاءً) فقال تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} (٣)، قال


(١) سورة الشورى: ٥١.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ١/ ١٣، رقم ٢.
(٣) سورة مريم: ٥٢.

<<  <   >  >>