للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تصليته فلقد فسر (انشقاق الأسرار وانفلاق الأنوار الواردين) في التصلية بقوله: "ويحتمل أنه يريد (أي ابن مشيش) بقوله: منه انشقت الأسرار، أي أسرار الجبروت، ومنه انفلقت الأنوار، أي أنوار الملكوت، أو تقول: منه انشقَّت الأسرار، أي أسرار الحقيقة، وانفلقت الأنوار أي أنوار الإيمان والإسلام، أو تقول: منه انشقَّت الأسرار: أسرار عالم الغيب، وانفلقت الأنوار أنوار عالم الشَّهادة، أو تقول: منه انشقَّت الأسرار: أسرار القدرة، وانفلقت الأنوار: أنوار الحكمة" (١).

ويقصد ابن عجيبة بأسرار الجبروت: البحر المحيط الذي تدفَّق عنه الحسُّ والمعنى، والحاصل أنَّ القبضة التي ظهرت أوَّلًا من فضاء العماء (٢) حسها الظاهر ملك، ومعناها الباطن ملكوت، والبحر واللطيف المحيط الذي تدفَّقت منه جبروت، فأسرار المعاني رياض العارفين؛ لأنها محلُّ نزهة أرواحهم، ولا شكَّ أنَّ المعاني لطيفة، لا تظهر بهجتها إلا في الحسِّ الذي هو الملك، والحس من حيث هو مضافٌ إلى نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه ما ظهر إلا له، وما انشقَّت أسرار الذات إلا من نوره" (٣).

وإنَّك لتجد أنَّ بعض شعراء المغاربة ممَّن تأثَّر بالصُّوفية يرون رأي ابن عجيبة: أنَّ النوُّر المحمَّدي أصلُ الخلق لكلِّ شيء، وهذا ما عبَّر عنه حمدون الحاج (٤)، المتوفى


(١) شرح صلاة القطب بن مشيش، ص ١٦ - ١٧.
(٢) فضاء العماء: أي ليس معه شيء. ينظر: غريب الحديث ٢/ ٢٨.
(٣) معراج التشوف، ص ٦٢.
(٤) هو: أبو الفيض، حمدون بن عبد الرحمن بن حمدون بن عبد الرحمن الشهير بابن الحاج، السُّلمي أصلًا وحسبًا، والمرداسي نسبًا، الفاسي دارًا ومنشأً، ولد سنة ١١٧٤ هـ بفاس، ومن شيوخه: أبو عبد الله محمد بن الحسن البناني، أبو محمد عبد الكريم بن علي اليازغي الفاسي، أبو عبد الله محمد التاودي ابن سودة، له مؤلفات منها: مراقي الصعود على تفسير أبي السعود، وعقود الفاتحة وهي منظومة ميمية في السيرة النبوية على نهج البردة تضمَّنت أربعة آلاف بيت، وكانت وفاته ١٢٣٢ هـ. ينظر: إتحاف المطالع بوفيات القرن الثالث عشر والرابع عشر ١/ ١٢٠، سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس ٣/ ٥، ٧.

<<  <   >  >>