للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبيَّن ابن القيم حقيقة الروح فقال: "إنَّه جسمٌ مخالفٌ بالماهية لهذا الجسم المحسوس, وهو جسمٌ نورانيٌّ، علويٌّ، خفيفٌ، حيٌّ، متحرِّك، ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدُّهن في الزيتون، والنَّار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحةً لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللَّطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكًا لهذه الأعضاء، وأفادها هذه الآثار من الحسِّ والحركة الإرادية، وإذا فسدت هذه الأعضاء بسب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن، وانفصل إلى عالم الأرواح، وهذا القول هو الصواب في المسألة هو الذي لا يصح غيره وكل الأقوال سواه باطلة وعليه دلَّ الكتاب والسُّنَّة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة" (١).

وذكر ابن تيمية - رحمه الله - أصناف القائلين بقدم الروح فقال: "واعلم أنَّ القائلين بقدم الروح صنفان:

صنفٌ من الصابئة (٢) الفلاسفة يقولون: هي قديمة أزلية لكن ليست من ذات الرب، كما يقولون ذلك في العقول، والنفوس الفلكية، ويزعم من دخل من أهل الملل فيهم أنها هي الملائكة.

وصنفٌ من زنادقة هذه الأُمَّة وضُلَّالها -من المتصوفة والمتكلِّمة والمحدثة- يزعمون أنها من ذات الله, وهؤلاء أشرُّ قولًا من أولئك، وهؤلاء جعلوا الآدمي نصفين: نصف لاهوت، وهو روحه، ونصف ناسوت، وهو جسده نصفه رب ونصفه عبد، وقد كفَّر الله النصارى بنحو من هذا القول في المسيح فكيف بمن يعم


(١) الروح، ص ١٧٨.
(٢) الصابئة: من صبأ، وهو الخروج من دين إلى دين، وهم قسمان: صابئة حنفاء، وصابئة مشركون يعظمون الكواكب السبعة والبروج الاثني عشر، ينظر: الملل والنحل ٢/ ٢٨٩.

<<  <   >  >>