للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعد ذلك ذكر أمورًا يخالف فيها نصوص الكتاب والسُّنَّة وما عليه العلماء الربانيين.

نجد هذا في قوله: "اعلم أن للقرآن العظيم ظاهرًا لأهل الظاهر، وباطنًا لأهل الباطن، وتفسير أهل الباطن لا يذوقه إلا أهل الباطن، لا يفهمه غيرهم ولا يذوقه سواهم، ولا يصح ذكره إلا بعد تقرير الظاهر، ثم يشير إلى علم الباطن بعبارة رقيقة وإشارة دقيقة، فمن لم يبلغه فهمه لذوق تلك الأسرار فليسلِّم، ولا يبادر بالإنكار فإن علم الأذواق من وراء طور العقول، ولا يدرك بتواتر النقول" (١).

وهذا عند المحققين لا يوافق عليه؛ فإن العلماء بيَّنوا المعنى الصحيح للظاهر والباطن.

قال الطبري (٢): "ظهره الظاهر في التلاوة، وبطنه ما بطن في تأويله" (٣)، ولقد علَّق على هذا القول أحمد شاكر (٤) فقال: "الظاهر هو ما تعرفه من كلامها، وما لا يعذر أحد بجهالته من حلال وحرام، والباطن: هو التفسير الذي يعلمه العلماء بالاستنباط والفقه، ولم يرد الطبري على ما تفعله الصوفية في التلاعب بكتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والعبث بدلالات ألفاظ القرآن، وادعائهم أن لألفاظه "ظاهرًا" هو الذي يعلمه علماء المسلمين، وباطنًا يعلمه أهل الحقيقة (٥) فيما يزعمون" (٦).


(١) البحر المديد ١/ ٩٤.
(٢) هو أبو جعفر، محمد بن جرير بن يزيد الطبري، المؤرِّخ المفسِّر، ولد في آمل طربستان سنة ٢٢٤ هـ، واستوطن بغداد، من مؤلفاته: جامع البيان في تفسير القرآن، أخبار الرُّسُل والملوك، توفي سنة ٣١٠ هـ، ينظر: طبقات الشافعية ٣/ ١٢٠، تاريخ بغداد ٢/ ١٦٢.
(٣) جامع البيان في تأويل القرآن ١/ ٧٢.
(٤) أحمد بن محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر، عالم بالحديث والتفسير، ولد سنة ١٣٠٩ هـ، وتوفي سنة ١٣٧٧ هـ، ينظر: الأعلام ١/ ٢٣٥.
(٥) الحقيقة لغة: من الحق، خلاف الباطل، وجمعه حقوق وحقاق، وهي في اصطلاح الصوفية: كشف رداء الصون عن مظهر الكون، فيفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل، وهي: ذات الشيء وأصله، وحقيقة الإنسان: ماهيته ومادته لم يزل. ينظر: لسان العرب ١٠/ ٤٩، والقاموس المحيط، ص ١١٢٩، والفتوحات الإلهية، ص ٢٤.
(٦) جامع البيان في تأويل القرآن ١/ ٧٢، حاشية رقم: ٢.

<<  <   >  >>