للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بلسان الحال والمقال ... وهؤلاء أعداء الله حقًّا وأولياء إبليس وأحباؤه وإخوانه، وإذا ناح منهم نائحٌ على إبليس رأيت من البكاء والحنين أمرًا عجبا، ورأيت من ظلمهم الأقدار واتهامهم الجبَّار ما يبدو على فلتات ألسنتهم وصفحات وجوههم، وتسمع من أحدهم من التظلُّم والتوجُّع ما تسمعه من الخصم المغلوب العاجز عن خصمه فهؤلاء هم الذين قال فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية في تائيته (١):

ويُدعى خصوم الله يوم معادهم ... إلى النَّار طُرًّا (٢) معشر القدريةِ" (٣)

وكذلك في آراء ابن عجيبة السابقة تجد أنَّ تركه للتدبير والاختيار أدَّي به إلى عقيدة وحدة الوجود علم أم لم يعلم، وهذا ما يفعلونه مع السَّالك دائمًا حتى يرتقي إلى البقاء.

قال ابن القيم - رحمه الله -: "والاتحادي يقول: إنَّ السالك في أول سلوكه يرى أنه لا فاعل في الحقيقة إلا الله، فهذا توحيد العلم، ولا يقدر في طوره الأول على أكثر من ذلك، ثم ينتقل عن هذا إلى الدرجة الثانية، وهي شهود عود الأفعال إلى الصفات، والصفات إلى الذات، فعاد الأمر كلُّه إلى الذَّات، فيجحد وجود السوى بالكُليَّة، فهذا هو الاضمحلال جحدًا، ثم يرتقي عن هذه الدرجة إلى ركوب البحر الذي تغرق فيه الأفعال والأسماء والصفات، ولا يبقى إلا أمرٌ مطلقٌ لا يتقيَّد باسمٍ ولا فعلٍ ولا صفة، قد اضمحلَّ فيه كلُّ معنى وقيد وصفة ورسم، وهذا عندهم غاية السَّفر


(١) القصيدة التائية في القدر، ص ١٨٠.
(٢) طُرًّا أي: جميعًا، ويقول ذو الأصبع العدواني:
وأنتمُ مَعْشَرٌ زَيْدٌ على مِئَةٍ ... فأجمعوا كَيْدَكم طُرًّا فَكِيدُونِي
ينظر: الصحاح ٢/ ٢٨٨، المحكم والمحيط الأعظم ١/ ١٢٥، دليل السالك إلى ألفية ابن مالك ١/ ٣٧٠.
(٣) مدارج السالكين ١/ ٤٣٦ - ٤٣٧.

<<  <   >  >>