للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول، فحينئذٍ يأخذ في السَّفر الثاني، وهو البقاء" (١).

وعند الصوفية أنَّ السَّالك لا بدَّ أن يرتقي إلى ثلاثة حقائق في باب القدر حتى يصل إلى عدم التفرقة بين الرَّبِّ والعبد فيصبح الأمر واحدًا، والعياذ بالله.

وبيَّن ابن القيم - رحمه الله - هذه الحقائق، وهي:

حقيقة إيمانية نبوية، وهى حقيقة العبودية التي هي كمال الحُبِّ وكمال الذُّل، وسير أهل الاستقامة إنما هو إلى هذه الحقيقة، ومنازل السير التي ينزلون فيها هي منازل الإيمان الموصلة إليها، والمنحرفون لا يرضون بهذه الحقيقة ولا يقفون معها ويرونها منزلة من منازل العامَّة.

الحقيقة الثانية: (حقيقة كونية قدرية) يشاهدون فيها انفراد الرَّبِّ تعالى بالتكوين والإيجاد وحده، وأنَّ العالم كالميت يقلِّبه ويصرِّفه كيف يشاء، وهم يعظمِّون هذا المشهد ويرون الفناءَ فيه غاية ما بعدها شيء.

وهذا من أغلاطهم في المعرفة والسُّلوك، فإنَّ هذا المشهد لا يدخل صاحبه في الإيمان فضلًا عن أن يكون أفضل مشاهد أولياءِ الله المقرَّبين، فإنَّ عُبَّاد الأصنام شهدوا هذا المشهد ولم ينفعهم وحده.

قال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (٢).


(١) مدارج السالكين ١/ ١٧٠.
(٢) سورة المؤمنون: ٨٤ - ٨٩.

<<  <   >  >>