للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الدسوقي: "ولما أضيفت الأفعال للعبد من جهة الكسب أُثيبَ وعوقبَ عليها؛ نظرًا لما عنده من الاختيار الذي هو سببٌ عاديٌّ في إيجاد الله الفعل والقدرة عليه، ثم إنَّ العبدَ مختارٌ بحسب الظاهر وإلا فمآله للجبر؛ لأنَّ اختياره بخلق الله، فالعبد مختارٌ ظاهرًا مجبورٌ باطنًا، فهو مجبورٌ في صورة مختار خلافًا للمعتزلة القائلين إنه مختار ظاهرًا وباطنًا، وللجبرية القائلين إنه مجبور ظاهرًا وباطنًا ... والحاصل أنَّ الجبر هو الحقُّ فمدعيه ظافرٌ بالدليل، فمن زاد عليه حتى نفى الكسب نُسب إلى الإفراط، والمعتزلة لم يظفروا بالمطلوب الذي هو الجبر، بل وقفوا دونه وجعلوا العبد مخترعًا، فلذا نسبهم إلى التفريط" (١).

قال ابن عجيبة: "هو حُجَّتنا على المعتزلة في خلق أفعال العباد"؛ لأنَّ المعتزلة يقولون إنَّ العبد خالق لفعله (٢)، وهو يوافق الأشاعرة في قولهم (الله خالق أفعال العباد)، ولكن مراده من ذلك غير ما يقر به الأشاعرة، بل ينسحب على ما يعتقده بوحدة الوجود.

ويقول ابن عجيبة "فالشريعة تنسب العمل للعبد باعتبار ما جعل فيه من الاختيار في الظاهر، الذي هو الكسب، والحقيقة تنفيه باعتبار ما في نفس الأمر، وهكذا يسير العبد بين حقيقةٍ وشريعة، فالحقيقة اعتقاده في الباطن والشريعة عملٌ في الظاهر" (٣).

فهو يسير مع الأشاعرة في عقيدة الجبر المتوسطة التي تذهب إلى أنَّ للعبد كسبًا في فعله، وله قدرة ومشيئة على فعله -كما قال اختيار- ولكنها غير مؤثرة،


(١) حاشية الدسوقي، ص ٢١٦.
(٢) ينظر: البحر المديد ٤/ ١٦٣.
(٣) كشف النقاب عن سر الألباب، ص ١٧٨.

<<  <   >  >>