للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيم - رحمه الله -: "والذي استقرَّ عليه قول الأشعري أنَّ القدرة الحادثة لا تؤثِّر في مقدورها، ولم يقع المقدور ولا صفة من صفاته بها، بل المقدور بجميع صفاته واقع بالقدرة القديمة ولا تأثير للقدرة الحادثة فيه، وتابعه على ذلك عامَّة أصحابه" (١).

ولكن هل وقف ابن عجيبة عند هذا الأمر على عقيدة الأشاعرة في الجبر؟

الحقيقة التي اتضحت من أقواله الصريحة، أنه بنى عليه معتقده في وحدة الوجود (٢)، فقال: "اعلم أنَّ فعل العبد كله من الله، بأن لا فاعل في الوجود سواه" (٣)، وبهذا وافق الجهمية في عقيدة الجبر، واختلف عنهم بجعلها أصلًا في وحدة الوجود، أمَّا الجهمية فجعلوا عقيدتهم في الجبر أصلًا لإثبات الوحدانية وعدم الإشراك به -كما زعموا- فلوا أثبتوا إرادة وقدرةً واختيارًا للبشر للزم -كما زعموا- أن يكون الإنسان خالقًا وفاعلًا مع الله - عز وجل -، وهذا هو الشرك الذي يزعمون (٤).

وردَّ شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - على القائلين بوحدة الوجود فقال: " ... ويجعلون المراتب ثلاثة، يقولون: العبد يشهد أولًا طاعةً ومعصية، ثم طاعةً بلا معصية، ثم لا طاعة ولا معصية، والشُّهود الأول هو الشُّهود الصحيح، وهو الفرق بين الطاعات والمعاصي، وأمَّا الشهود الثاني فيريدون به شهود القدر ... وأمَّا المرتبة الثالثة: أن لا يشهد طاعة ولا معصية، فإنه يرى أن الوجود واحد، وعندهم أنَّ هذا غاية التحقيق والولاية لله، وهو في الحقيقة غاية الإلحاد في أسماء الله وآياته، وغاية العداوة لله، فإنَّ صاحب هذا المشهد يتخذ اليهود والنصارى وسائر الكُفَّار أولياء" (٥).


(١) شفاء العليل ١/ ٣٦٩، وينظر: منهاج السُّنَّة ١/ ٤٥٩، الأربعين، للرازي، ص ٣٢٠.
(٢) سيأتي الحديث عنها في مبحث مستقل إن شاء الله.
(٣) كشف النقاب عن سر الألباب، ص ٢٨.
(٤) ينظر: شفاء العليل ١/ ٤١١، وخلق أفعال العباد، ص ٢٤.
(٥) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ١/ ١٦٦.

<<  <   >  >>