للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمَّا أهل السُّنَّة والجماعة فيفرقون بين الفعل والمفعول والخلق والمخلوق.

قال ابن تيمية - رحمه الله -: "والتحقيق ما عليه أئمة السُّنَّة وجمهور الأمة؛ من الفرق بين الفعل والمفعول والخلق والمخلوق؛ فأفعال العباد هي كغيرها من المحدثات مخلوقة مفعولة لله، كما أنَّ نفس العبد وسائر صفاته مخلوقة مفعولة لله وليس ذلك نفس خلقه وفعله بل هي مخلوقة ومفعولة، وهذه الأفعال هي فعل العبد القائم به ليست قائمة بالله ولا يتصف بها فإنه لا يتصف بمخلوقاته ومفعولاته، وإنما يتصف بخلقه وفعله كما يتصف بسائر ما يقوم بذاته، والعبد فاعل لهذه الأفعال وهو المتصف بها وله عليها قدرة وهو فاعلها باختياره ومشيئته وذلك كله مخلوق لله فهي فعل العبد ومفعولة للرَّب" (١).

وأمَّا ما ذكره ابن عجيبة من أنَّ الشريعة تنسب الفعل إلى العبد بسبب ذلك الكسب فتقوم عليه الحجة، والعبد مجرور بسلسلة؛ لما يعتقد (بالحقيقة والشريعة)، فيقول: "الشريعة عمل الجوارح، والحقيقة معرفة البواطن، فالشريعة أن تعبده والحقيقة أن تشهده، فالشريعة من وظائف البشرية، والحقيقة من وظائف الروحانية، والشريعة قوت البشرية، والحقيقة قوت الروحانية" (٢).

ويقول أيضًا: "فمن نظر إلى الباطن ووحَّد الله وجد كلَّ شيءٍ قائمًا بالله، ولا فاعل سواه، ومن نظر إلى ظاهر العبد وجد له اختيارًا في الجملة، يقوم إذا شاء ويجلس إذا شاء، ويفعل ويترك باختياره في الظاهر، وعلى هذا وقع في التكليف، وهو الشريعة، ويسمي الكسب عند المتكلِّمين، فالتحقيق أنَّ العبد مجبور، لكن في قالب الاختيار، فمن نظر للجبر الباطني سمَّاه حقيقة، ومن نظر لقالب الاختيار سمَّاه شريعة" (٣).


(١) مجموع الفتاوى ٢/ ١١٩.
(٢) الفتوحات الإلهية، ص ٣٢٧.
(٣) المرجع نفسه، ص ٣٢٧.

<<  <   >  >>