قال ابن تيمية - رحمه الله -: "فهذا كلامٌ باطلٌ، بل العبد هو المصلِّي الصائم الحاج المعتمر المؤمن، وهو الكافر الفاجر القاتل الزاني السَّارق حقيقة، والله تعالى لا يوصف بشيءٍ من هذه الصفات بل هو منزَّهٌ عن ذلك؛ لكنه هو الذي جعل العبد فاعلًا لهذه الأفعال، فهذه مخلوقاته ومفعولاته حقيقة وهي فعل العبد أيضًا حقيقة، ولكن طائفة من أهل الكلام -المثبتين للقدر- ظنوا أنَّ الفعل هو المفعول والخلق هو المخلوق؛ فلمَّا اعتقدوا أنَّ أفعال العباد مخلوقة مفعولة لله قالوا: فهي فعله، فقيل لهم مع ذلك: أهي فعل العبد؟ فاضطربوا؛ فمنهم من قال: هي كسبه لا فعله ولم يفرِّقوا بين الكسب والفعل بفرقٍ محقَّق، ومنهم من قال: بل هي فعل بين فاعلين، ومنهم من قال: بل الرب فعل ذات الفعل والعبد فعل صفاته"(١).
وقال أيضًا عن الكسب عند الأشعرية: "وهم وإن كانوا لا يُثبتون لقدرة العبد أثرًا في حصول المقدور، فإنَّهم يُفرِّقون بين ما كان في محلِّ القدرة فيجعلونه مقدورًا للعبد، وما كان خارجًا عن محلِّ القدرة فلا يجعلونه مقدورًا للعبد، وأكثر من نازعهم يقول: إنَّ هذا كلامٌ لا يُعقل؛ فإنَّه إذا لم يثبت للقدرة أثر، لم يكن الفرق بين ما كان في محلِّ القدرة، وبين ما كان في غير محلِّ القدرة إلا فرقًا في محلِّ الحادث، من غير أن يكون للقدرة في ذلك تأثير، وتسمية هذا مقدورًا دون هذا تحكُّمٌ محض، وتفريق بين المتماثلين ... إذا قيل لهؤلاء: الكسب الذي أثبتموه لا تُعقل حقيقته، فإذا قالوا: الكسب ما وُجد في محلِّ القدرة المحدثة مقارنًا لها من غير أن يكون للقدرة تأثير فيه، قيل لهم: فلا فرق بين هذا الكسب، وبين سائر ما يحدث في غير محلِّها وغير مقارن لها؛ إذ اشتراك الشيئين في زمانهما ومحلهما لا يُوجب كون أحدهما له