للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قدرة على الآخر، كاشتراك العرضين الحادثين في محلٍّ واحد، في زمانٍ واحد، بل قد يُقال: ليس جعل الكسب قدرة والقدرة كسبًا بأولى من العكس إذا لم يكن إلا مجرَّد المقارنة في الزمان والمحل" (١).

وبيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كيفية التعامل مع لفظ الجبر، والتأثير بقوله: "لفظ (الجبر) فيه إجمالٌ يُراد به إكراه الفاعل على الفعل بدون رضاه كما يقال: إنَّ الأب يجبر المرأة على النِّكاح، والله تعالى أجلُّ وأعظم من أن يكون مجبرًا بهذا التفسير، فإنه يخلق للعبد الرِّضا والاختيار بما يفعله وليس ذلك جبرًا بهذا الاعتبار، ويراد بالجبر خلق ما في النفوس من الاعتقادات والإرادات كقول محمد بن كعب القرظي (٢): «الجبَّار الذي جبر العباد على ما أراد»، وكما في الدعاء المأثور عن عليٍّ - رضي الله عنه - «جبار القلوب على فطراتها شقيها وسعيدها» (٣)، والجبر ثابتٌ بهذا التفسير، فلمَّا كان لفظ الجبر مجملًا نهى الأئمة الأعلام عن إطلاق إثباته أو نفيه ...

وكذا لفظ (التأثير) فيه إجمالٌ فإنَّ القدرة مع مقدورها كالسَّبب مع المسبَّب والعلَّة مع المعلول والشَّرط مع المشروط فإن أُريد بالقدرة القدرة الشرعية المصحِّحة للفعل المتقدِّمة عليه فتلك شرطٌ للفعل وسببٌ من أسبابه وعلَّةٌ ناقصة له، وإن أُريد


(١) الصفدية ١/ ١٥١، وينظر: مجموع الفتاوى ٨/ ٤٦٧، النبوات ١/ ٤٦٢، منهاج السُّنَّة النبوية ٣/ ٢٠٩، درء تعارض العقل والنقل ١/ ٨٢، ٢/ ١٢٤.
(٢) هو أبو حمزة، محمد بن كعب القرظي، من التابعين، روى عن فضالة بن عبيد وأبي هريرة، كانت وفاته سنة ١٠٨ هـ. ينظر: الإصابة في معرفة الصحابة ٦/ ٢٣٧، الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣/ ١٣٧٧.
(٣) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ٦/ ٦٦، رقم ٢٩٥٢٠، وابن أبي شيبه في مصنفه ٧/ ٨٣، والطبراني في المعجم الأوسط ٩/ ٤٤، رقم ٩٨٨، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وسلامة الكندي روايته عن عليٍّ مرسله, ينظر: المجموع ١/ ١٦٣، وقال السخاوي: الحديث موقوفٌ بسندٍ ضعيف. ينظر: القول البديع، ص ٣٤، وضعَّفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ١٤/ ١٠٢.

<<  <   >  >>