للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخارج منه شيء، ويحلف أنه رأى وسمع، وصدق، لكن رأى وسمع في الخارج، أو في نفسه؟ ويتفق ضعف التمييز، وقلة العلم، واستيلاء تلك المعاني على الروح، وتجردها من الشواغل" (١).

وبيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - خطر هذه الرياضات والمجاهدات وما ينتج عنها من اعتقادات فاسدة فقال: "وكذلك أصحاب الرياضة والتجرُّد ... قد تنعقد في قلبه مقاييس فاسدة ومواجيد فاسدة يحكم بمقتضاها في الربوبية أحكامًا فاسدة مثل: ... اعتقاد أنَّ الرَّب هو الوجود المطلق الذي لا يتميَّز، وأنَّ عين الوجود هو عين الخالق وأنه ليس وراء السموات والأرض شيءٌ آخر، وإنما هذه الأشياء كلها مراتب للصفات وأنَّ الربوبية والإلهية مراتب ذهنية شكوكية، وأمَّا في الحقيقة فليس إلا عين ذاته فالمحجوبون يرون المراتب والمكاشف ما ترى إلا عين الحق" (٢).

وهذه المجاهدات المبتدعة ليست من الدين، فالمشقة لا تقصد لذاتها، أمَّا المشقة التي يثاب عليها المؤمن فهي التي تلحقه أثناء التكليف، وأمَّا أن تقصد لذاتها وتجتنب رخص الله فلا، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (٣) (٤).

قال الشاطبي - رحمه الله - وهو يبيِّن البدع التي عليها المتصوفة: "ومن ذلك أنهم يبنون طريقهم على اجتناب الرخص جملة ... فالتزام العزائم مع وجود مضار الرخص التي


(١) مدارج السالكين ١/ ٥٨.
(٢) مجموع الفتاوى ٢/ ٦٣، ٦٦.
(٣) سورة التوبة: ١٢٠.
(٤) ينظر: الموافقات ٢/ ٢١٥.

<<  <   >  >>