للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وابن عجيبة سلك هذا المسلك إذ يقول: "وقد كنتُ قبل أن أدخل في طريق القوم متلبِّسًا بشيءٍ من الدنيا، كان عندي بستان وعرصتان من اللشين (١)، من قبل الحبس وبقرة تحلب وملاح الملح وخزانة من كتب العلم، فلما دخلت في الطريق ذهب ذلك كلُّه وبقيت كما قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} (٢)، وبعت كتب العلم الظاهر، وأنفقت جلَّ ذلك على الشيخ (٣) في بنيان داره وفي تزويجه" (٤).

والخروج عن المال بأن يصبح العبد ذليلًا، فارغ اليد، ليس من الدين في شيء، ولم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه، "ولم يأمر أحدًا بالخروج عن ماله، ولا أمر صاحب صنعة بالخروج عن صنعته، ولا صاحب تجارة بالخروج عن ماله، ولا صاحب تجارة بترك تجارته، وهم كانوا أولياء الله حقًّا، والطالبون لسلوك طريق الحق صدقًا، وإن سلك من بعدهم ألف سنة لم يبلغ شأنهم ولم يبلغ هداهم، ثم إنه كما يكون المال شاغلًا في الطريق عن بلوغ المراد، فكذلك يكون فراغ اليد منه جملة شاغلًا عنه، وليس أحد العارضين أولى بالاعتبار من الآخر" (٥).

وترك ما يستعين به العبد على طاعة الله - عز وجل - ليس من الزهد المشروع (٦).

قال ابن القيم - رحمه الله -: "الزهد في الدنيا جملة، وليس المراد تخليها من اليد ولا إخراجها وقعوده صفرًا منها، وإنما المراد إخراجها من قلبه بالكُليَّة، فلا يلتفت إليها، ولا يدعها تساكن قلبه، وإن كانت في يده، فليس الزهد أن تترك الدنيا من يدك


(١) اللشين: البرتقال، الفهرسة، ص ٥٣.
(٢) سورة الأنعام: ٩٤.
(٣) يقصد شيخه العربي الدرقاوي.
(٤) الفهرسة، ص ٥٣.
(٥) الاعتصام ١/ ٢٧٣ - ٢٧٤.
(٦) ينظر: مجموع الفتاوى ١١/ ٢٨.

<<  <   >  >>