للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثانيها: تعظيمه، وحفظ حرمته غائبًا وحاضرًا، وتربية محبته في قلبه، وهو دليل صدقه، وبقدر التصديق يكون، فمن لا صدق له لا سير له ولو بقي مع الشيخ ألف سنة.

وثالثهما: انعزاله عن عقله، ورياسته، وعلمه، وعمله إلا ما يرد عليه من قبل شيخه.

ورابعهما: عدم التشوف إلى غير شيخه والانتقال عنه، وهذا عندهم من أقبح كل قبيح وأشنع كل شنيع، وهو سبب تسويس بذرة الإرادة، فتفسد شجرة الإرادة لفساد أصلها، وهذا كله مع شيوخ التربية، وأمَّا شيوخ أهل الظاهر فلا بأس أن ينتقل عنهم إلى أهل الباطن إن وجدتم، ولا يحتاج إلى إذن" (١).

والمتأمِّل لقول الإمام مالك - رحمه الله -: "إنما أنا بشرٌ أخطئ وأصيب، فانظروا في قولي، فكل ما وافق الكتاب والسُّنَّة فخذوا به، ومالم يوافق الكتاب والسُّنَّة فاتركوه" (٢)، يلحظ أن هناك توجيهًا بأن تُعرض آراء الرِّجال وأقوالهم على الدليل، فما وافقه منها اعتدَّ به وقُبل، وما كان مخالفًا رُدَّ ولم يعتد به.

ويبين ابن القيم - رحمه الله - بعد تعريفه للمريد عند القوم المنهج الحق الذي يجب أن يتبع، فقال: "المريد في اصطلاحهم: هو الذي قد شرع في السير إلى الله، وهو فوق العابد ودون الواصل، وهذا اصطلاح بحسب حال السالكين، وإلا فالعابد مريد، والسالك مريد، والواصل مريد، فالإرادة لا تفارق العبد ما دام تحت حكم العبودية.

وقد ذكر الشيخ للتمكن في هذه الدرجة ثلاثة أمور: صحة قصد، وصحة علم، وسعة طريق، فبصحة القصد يصح سيره، وبصحة العلم تنكشف له الطريق،


(١) إيقاظ الهمم، ص ١٤٨ - ١٥٠، وينظر: الفهرسة، ص ٦٥ - ٦٦.
(٢) إعلام الموقعين عن رب العالمين ١/ ٦٠.

<<  <   >  >>