للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا عرفنا هذين الأصلين تبيَّن لنا أنه ليس لأولياء الله عددٌ محصور تتساوى فيه الأزمنة، ولا لهم مكانٌ مُعيَّن من الأمكنة، بل هم يزدادون وينقصون بحسب زيادة أهل الإيمان والتقوى ونقصانهم، وقد بعث الله رسوله بالحق، وآمن معه بمكة نفرٌ قليلٌ كانوا أقلَّ من سبعة، ثم أقلَّ من أربعين، ثم أقلَّ من سبعين، ثم أقلَّ من ثلاث مائة، فأين كان أولئك الأبدال وغيرهم ممن يذكرهم الصوفية بالعدد والترتيب والطبقات؟ هل كانوا في الكفَّار.

ثم هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - إلى المدينة، وبها انعقدت بيعة الخلفاء الراشدين، ومن الممتنع أنه قد كان بمكة في زمنهم من يكون أفضل منهم، فمن كان هو الغوث الذي يدِّعي الصوفية وجوده بمكة بعد الهجرة.

ثم إن الإسلام انتشر في مشارق الأرض ومغاربها، وكان في المؤمنين في كل وقت من أولياء الله المتقين عدد لا يُحصَى، ولا يحصرون بثلاث مائة ولا بثلاثة آلاف، فكلُّ من جعل لهم عددًا محصورًا فهو من المبطلين عمدًا أو خطًا.

ونسألهم مَن كان القطب والأبدال وغيرهم من زمن آدم ونوح وإبراهيم وقبل محمد -عليهم الصَّلاة والسَّلام- في الفترة حين كان عامة الناس كفرة؟ وإن زعموا أنهم كانوا بعد رسولنا ففي أيِّ زمانٍ كانوا؟ ومَن أوَّلُ هؤلاء؟ وبأيِّ آيةٍ وبأيِّ حديثٍ مشهورٍ وبأيِّ إجماعٍ متواترٍ من القرون الثلاثة ثبتَ وجودُ هؤلاء بهذه الأعداد حتى نعتقده؟ لأن العقائد لا تعتقد إلَّا من هذه الأدلة الثلاثة ومن البرهان العقلي، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (١) فإن لم يأتوا به فهم الكاذبون بلا ريب، فلا نعتقد أكاذيبهم (٢).


(١) سورة النمل: ٦٤.
(٢) جامع المسائل ٢/ ٤٣.

<<  <   >  >>