للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثاني: الصوفية أخرجوا القطب بما يختص به البشر، وحلقوا به في عالم الربوبية، وقد ذكروا له خمس عشرة علامة، منها أنه يُكشَف له عن حقيقة الذات الإلهية، ويحيط علمًا بصفات الله تعالى، وأن علم القطب لا حدود له، فلا يخفى عليه شيءٌ من الدنيا والآخرة، ويحيط بمعرفة أحكام الشريعة ولو كان أُميًّا، يقول ابن عجيبة: "كم من وليٍّ يكون أُمِّيًّا، وتجده عنده من العلوم والحكم والتوحيد ما لا يوجد عند نحارير العلماء" (١) (٢).

قال ابن تيمية - رحمه الله -: "هذه الأمور وغيرها مما ذكره الصوفية لا يخفى ما في الاعتقاد بها من خطورة على عقيدة التوحيد، فهي محاولة خبيثة لتجريد الإله الحق - عز وجل - من اختصاصاته التي لا يشاركه فيها مخْلوق، وجعلها مشاعًا بين الخالق والمخلوق على حدٍّ سواء، وهذا هو الشِّرك في الربوبية -والعياذ بالله-، وهو أقبح أنواع الشرك، فقد كان المشركون القُدامى على علمٍ بربوبية الله وخصوصيته في الخلق، والرزق، والملك، والتدبير، والإحياء، والإماتة، وغيرها من أمور الربوبية كما حكى عنهم القرآن، فالذي يعتقد ذلك في الأولياء هو أجهل من أولئك المشركين وأضلّ.

وبهذا نعرف ما نتج عن فكرة القطب هذه من مخاطر جسيمة في باب العقيدة لدى عامَّة الناس، الذين تعلقوا بها واعتقدوها ونشأوا عليها في البيئات الصوفية، ولُقِّنوها منذ الصغر، ولا زلنا نرى في البلاد الإسلامية من ينادي (الغوث) للمدد، ويعتقد في الأولياء بما لا يجوز اعتقاده إلاّ في الله - عز وجل - فإنَّا لله وإنا إليه راجعون" (٣).


(١) البحر المديد ٤/ ٣١٢.
(٢) ينظر جامع المسائل ٢/ ١٦.
(٣) المرجع نفسه ٢/ ٣٠.

<<  <   >  >>