للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعض المشايخ في أول أمره جزَّارًا فتعذر عليه شغل الجزارة تعذُّرًا شرعيًّا، فكان إذا قضى وظيفته ذكره يرفع رأسه فيجد في حجره درهمًا يشتري به قوت ذلك اليوم" (١).

ومنها: الاطلاع على المغيَّبات فيقول: " ... وقد يخرق له العادة فيطلعه الله على جميع اللُّغات" (٢).

ولا غرابة بأن يحتار العقل في الكرامات الحسيَّة؛ إذ هي خرقٌ لما اعتاد عليه البشر ولما ألفوه، يقول ابن تيمية - رحمه الله -: "والرُّسل جاءت بما يعجز العقل عن دركه، لم تأت بما يعلم بالعقل امتناعه، لكن المسرفون فيه قضوا بوجوب أشياء وجوازها وامتناعها لحجج عقلية بزعمهم اعتقدوها حقًّا وهي باطل، وعارضوا بها النبوات وما جاءت به، والمعرضون عنه صدَّقوا بأشياء باطلة، ودخلوا في أحوال وأعمال فاسدة، وخرجوا عن التمييز الذي فضَّل الله به بني آدم على غيرهم" (٣).

ولهذا فإنَّ العُبَّاد والزُّهَّاد الذين لا يتَّبعون الكتاب والسُّنَّة تقترن بهم الشياطين، فيكون لأحدهم من الخوارق ما يناسب حاله، ولكن خوارق هؤلاء يعارض بعضها بعضًا، وإذا حصل من له تمكُّن من أولياء الله أبطلها عليهم، ولا بدَّ أن يكون في أحدهم الكذب جهلًا أو عمدًا، ومن الإثم ما يناسب حال الشياطين المقترنة بهم؛ ليفرِّق الله بذلك بين أوليائه المتقين وبين المتشبِّهين بهم من أولياء الشياطين (٤).

ولقد ضرب ابن تيمية - رحمه الله - أمثلةً على تلبيس الشياطين على هؤلاء القوم وهي من مخاطبة الشيطان لهم، فقال: " فإني أعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع


(١) اللوائح القدسية، ص ١٢٠.
(٢) البحر المديد ٣/ ٤٣.
(٣) مجموع الفتاوى ٣/ ٣٣٩.
(٤) ينظر: مجموع الفتاوى ١١/ ٢٩٥.

<<  <   >  >>