للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني» (١) ومعلومٌ أنَّ أميره ليس هو إيَّاه.

ومن ظنَّ في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} (٢) أنَّ المراد به أنَّ فعلك هو فعل الله، أو المراد أنَّ الله حالٌّ فيك ونحو ذلك فهو -مع جهله وضلاله بل كفره وإلحاده- قد سلب الرسول خاصيته وجعله مثل غيره.

وذلك أنه لو كان المراد به كون الله فاعلًا لفعلك لكان هذا قدرًا مشتركًا بينه وبين سائر الخلق، وكان من بايع أبا جهل فقد بايع الله، ومن بايع مسيلمة الكذَّاب فقد بايع الله، ومن بايع قادة الأحزاب فقد بايع الله، وعلى هذا التقدير فالمبايع هو الله أيضًا، فيكون الله قد بايع الله؛ إذ الله خالق لهذا ولهذا، وكذلك إذا قيل بمذهب أهل الحلول والوحدة والاتحاد فإنه عام عندهم في هذا وهذا، فيكون الله قد بايع الله، وهذا يقوله كثير من شيوخ هؤلاء الحلولية الاتحادية، حتى إنَّ أحدهم إذا أمر بقتال العدو يقول: أقاتل الله؟ ما أقدر أن أقاتل الله ونحو هذا الكلام الذي سمعناه من شيوخهم، وبينَّا فساده لهم وضلالهم فيه غير مرة" (٣).

ويستدل ابن عجيبة أيضًا بقوله الله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (٤) (٥).

وهذا الاستدلال باطل، قال ابن تيمية - رحمه الله -: "لم يرد به أن فعل العبد هو فعل


(١) أخرجه البخاري، كتاب الوصايا، باب يقاتل وراء الإمام ويُتقى به، ٢/ ٣٤٧، رقم ٢٩٥٦.
(٢) سورة الفتح: ١٠.
(٣) مجموع الفتاوى ٢/ ٣٣٣.
(٤) سورة الأنفال: ١٧.
(٥) ينظر: إيقاظ الهمم، ص ٦٩.

<<  <   >  >>