للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله تعالى -كما تظنُّه طائفة من الغالطين- فإن ذلك لو كان صحيحًا لكان ينبغي أن يقال لكلِّ أحد حتى يقال للماشي: ما مشيت إذ مشيت ولكن الله مشى، ويقال للراكب: وما ركبت إذ ركبت ولكن الله ركب، ويقال للمتكلِّم: ما تكلمت إذ تكلَّمت ولكن الله تكلم، ويقال مثل ذلك للآكل والشارب والصائم والمصلِّي ونحو ذلك، وطرد ذلك: يستلزم أن يقال للكافر: ما كفرت إذ كفرت ولكن الله كفر ويقال: للكاذب ما كذبت إذ كذبت ولكن الله كذب، ومن قال مثل هذا فهو كافرٌ ملحدٌ خارجٌ عن العقل والدين.

ولكن معنى الآية أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر رماهم ولم يكن في قدرته أن يوصل الرمي إلى جميعهم فإنه إذ رماهم بالتراب وقال: «شاهت الوجوه» (١) لم يكن في قدرته أن يوصل ذلك إليهم كلهم فالله تعالى أوصل ذلك الرمي إليهم كلهم بقدرته، يقول: وما أوصلت إذ حذفت ولكن الله أوصل، فالرمي الذي أثبته له ليس هو الرمي الذي نفاه عنه؛ فإنَّ هذا مستلزم للجمع بين النقيضين بل نفى عنه الإيصال والتبليغ وأثبت له الحذف والإلقاء، وكذلك إذا رمى سهمًا فأوصله الله إلى العدو إيصالًا خارقًا للعادة كان الله هو الذي أوصله بقدرته ... فالقول بأنَّ الله خالق أفعال العباد حقٌّ والقول بأنَّ الخلق حالٌّ في المخلوق أو وجوده وجود المخلوق باطل، وهؤلاء ينتقلون من القول بتوحيد الربوبية إلى القول بالحلول والاتحاد وهذا عين الضلال والإلحاد" (٢).

وكذلك استدل بما يذكرونه عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «كان الله ولا شيء معه،


(١) أخرجه مسلم، كتاب الجهاد، باب غزوة حنين، ٣/ ١٤٠٢، رقم ١٧٧٧.
(٢) مجموع الفتاوى ٢/ ٣٣١.

<<  <   >  >>