للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودمع العين، واقشعرار الجسوم فهذه أفضل الأحوال التي نطق بها الكتاب والسُّنَّة (١).

ومراد القوم من الواردات بيَّنه ابن عجيبة بقوله: "الوارد نور إلهي، يقذفه الله في قلب من أحبَّ من عباده، وهي على ثلاثة أقسام: على حسب البداية، والوسط، والنهاية، أو تقول على حسب الطالبين، والسائرين، والواصلين.

القسم الأول: وارد الانتباه، وهو نور يخرجك من ظلمة الغفلة إلى نور اليقظة، وهو لأهل البداية من الطالبين، فإذا تيقَّظ من نومه وانتبه من غفلته استوى على قدمه طالبًا لربِّه، فيقبل عليه بقلبه وبقالبه، وينجمع عليه بكليته.

والقسم الثاني: وارد الإقبال، وهو نور يقذفه الله في قلب عبده، فيحركه لذكر مولاه، ويغيبه عمَّا سواه، فلا يزال مشتغلًا بذكره، غائبًا عن غيره، حتى يمتلئ القلب بالنور ويغيب عمَّا سوى المذكور، فلا يرى إلا النور، فيخرج من سجن الأغيار، ويتحرَّر من رقِّ الآثار.

والقسم الثالث: وارد الوصال، وهو نورٌ يستولي على قلب العبد ثم يستولي على ظاهره وباطنه، فيخرجه من سجن نفسه، ويغيب عن شهود حسِّه" (٢).

بعد ذلك شرح القسم الثالث فقال: "أي إنما أورد عليك وارد الوصال بعد أن أهب عليك نفحات الإقبال، ليخرجك من سجن رؤية وجودك إلى فضاء، أي اتساع شهودك لربك، فرؤيتك وجودك مانعة لك من شهود ربك، إذ محال أن تشهده وتشهد معه سواه، وجودك ذنب لا يقاس به" (٣).


(١) ينظر: مجموع الفتاوى ٢٢/ ٥٢١ - ٥٢٢.
(٢) إيقاظ الهمم، ص ١٢٥ - ١٢٦.
(٣) المرجع نفسه، ص ١٢٦.

<<  <   >  >>