للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعند التأمُّل في هذه الواردات، نجد أنها بعينها درجات الفناء، فناء عن وجود السوى، وفناء عن شهود السوى، وفناء عن عبادة السوى (١).

"فالأول: هو فناء أهل الوحدة الملاحدة كما فسَّروا به كلام الحلاج، وهو أن يجعل الوجود وجودًا واحدًا.

وأما الثاني: -وهو الفناء عن شهود السوى-، فهذا هو الذي يعرض لكثير من السالكين ... وهو مقام الاصطلام (٢)، وهو أن يغيب بموجوده عن وجوده وبمعبوده عن عبادته وبمشهوده عن شهادته وبمذكوره عن ذكره فيفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل ... " (٣).

ولهذا صارت الأحوال تتصف بالتحول وعدم الثبات؛ يقول ابن عجيبة: "الفرق بين الحال والمقام: أن الحال يتحول فيذهب ويجيء، بخلاف المقام، فإنه رسوخ وتمكين" (٤).

وبسبب الواردات التي ترد على السَّالك تجد القوم يكثر عندهم الشطح والمخالفات العقدية سواء بالجوارح أو اللسان.

كما قال ابن عجيبة عن الأحوال: "ويظهر آثاره على الجوارح قبل


(١) فهذا حال النبيين وأتباعهم وهو أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه وبحبه عن حب ما سواه وبخشيته عن خشية ما سواه وبطاعته عن طاعة ما سواه وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه؛ فهذا تحقيق توحيد الله وحده لا شريك له وهو الحنيفية ملة إبراهيم، ويدخل في هذا: أن يفنى عن اتباع هواه بطاعة الله فلا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله ولا يعطي إلا لله ولا يمنع إلا لله فهذا هو الفناء الديني الشرعي الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه. ينظر: مجموع الفتاوى ٢/ ٣١٣.
(٢) الاصطلام: نعتُ وَلَهٍ يرد على القلب تحت سلطان القهر. ينظر: القاموس الصوفي، للمناوي ص ١٣.
(٣) مجموع الفتاوى ٢/ ٣١٣.
(٤) معراج التشوف، ص ٤٤.

<<  <   >  >>