للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التمكين (١)، من شطح ورقص، وسير وهيام، وهو أثر المحبة؛ لأنها تحرك الساكن أوَّلًا ثم تسكن وتطمئن، ولذا قيل فيها: أولها جنون، ووسطها فنون، وآخرها سكون" (٢).

وإضافة إلى غموض رموز ومصطلحات الأحوال والمقامات إلا أن ابن عجيبة يرى بسرية الواردات التي ترد على السالك ولا يرى الإفصاح عنها.

فيقول: "إن هذه الواردات الإلهية والمواهب الاختصاصية أسرار من الكريم الغفَّار، لا يمنحها إلا لأهل الصيانة والأمانة، لا لأهل الإفشاء والخيانة" (٣).

ثم يقول أيضًا: "إن هذه الأمور أذواق باطنية، وأسرار ربَّانية، لا يفهمها إلا أربابها، فذكرها لمن لا يفهمها ولا يذوقها جهل بقدرها، وأيضًا هي أماناتٌ وسرٌّ من أسرار الملك، وسرُّ الملك لا يحلُّ إفشاؤه، فمن أفشاه كان خائنًا، واستحق الطرد والعقوبة، ولا يصلح أن يكون أمينًا بعد ذلك، فكتم الأسرار من شأن الأخيار، وهتك الأسرار من شأن الأشرار" (٤).

وسبب هذه الرموز والمصطلحات التي يستخدمها الصوفية في تعبيرهم عن الأحوال والمقامات خوفهم من أن تنكشف لغيرهم، وهذا تأويل منهم لتمرير الباطل والتلبيس على الناس، ولذلك يقال عن التصوف "إنه علم الإشارة؛ لأن شاهدات القلوب ومكاشفات الأسرار لا يمكن التعبير عنها على التحقيق، بل تعلم بالمنازلات والمواجيد، ولا يعرفها إلا من نازل تلك الأحوال وحلَّ تلك المقامات" (٥).


(١) التمكين: صفة أهل الحقائق فما دام السالك في الطريق فهو صاحب تلوين يترقى من حال إلى أخرى ومن وصف إلى آخر، حتى إذا وصل واتصل غدا صاحب تمكين ومن أهل الحقائق. ينظر: الرسالة القشيرية ١/ ٢٥٢.
(٢) معراج التشوف، ص ٤٣.
(٣) إيقاظ الهمم، ص ١٥٦.
(٤) المرجع نفسه، ١٥٦.
(٥) التعرف لمذهب أهل التصوف، ص ١٠٦، وينظر: اليواقيت والجواهر ١/ ١٩.

<<  <   >  >>