للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذلك تجدهم أصحاب تصوف ظاهر، وتصوف باطن، وهذا قولهم بأنفسهم، فالبوزيدي عدَّ صفات ابن عجيبة أمام أصحابه فقال: "أحمد متصفٌ بالزُّهد والورع والتوكل والصبر والحلم والرضا والتسليم والشفقة والرحمة والسخاء والكرم، حتى عد اثني عشر مقامًا، فقال ابن عجيبة: يا سيدي هذا التصوف؟، فقال: هذا تصوف الظاهر وبقي تصوف الباطن، ستعرفه إن شاء الله ... ثم جعلت (١) أزوره ببني زروال (٢) حتى فتح الله علينا بالفتح الكبير" (٣).

فهذه المقامات والأحوال ليست الهدف الأسمى الذي يسعى له الصوفية، بل هي وسيلة لمقصودهم للوصول إلى وحدة الوجود؛ لذلك اعتبروا الوقوف عند هذا الحد حجابًا وشغلًا عن الوصول إلى مقام الوحدة، ونصوص ابن عجيبة في هذا كثيرة، منها:

قوله: "شأن أهل الحجاب يُحبسون في المقامات والأحوال، تشغلهم حلاوة ذلك عن الله تعالى، فإذا فقدوا ذلك الحال أو المقام سلبوا وأفلسوا، وأهل الغنى بالله لا يقفون مع حال ولا مقام هم مع مولاهم" (٤)، ويقول أيضًا: "وبقي حجابان آخران، إذا خرقهما العبد أفضى إلى مشاهدة المتكلِّم دون واسطة، أولهما: حجاب حلاوة الطاعة والمعاملة الظاهرة، والوقوف مع المقامات أو الكرامات فإنها عند العارفين سموم قاتلة" (٥).


(١) المقصود زيارة ابن عجيبة لشيخه وتردده عليه.
(٢) بنو زروال: من القبائل الجبلية الشهيرة بشمال المغرب، بربرية الأصل ثم تعربت تمامًا ولم يبق منها إلا الاسم شأن قبائل كثيرة بالمغرب، كدكالة، وتنقسم قبيلة زروال إلى خمس فخذات: بني إبراهيم، وبني مكة، وبني ملول وبو معان، وأولاد قاسم، يحدها شرقًا قبيلة كثامة، وغربًا قبيلة بنو مستارة، وجنوبًا قبائل سلاس. ينظر: قبيلة بني زروال، ص ٨ - ٩.
(٣) الفهرسة، ص ٤٦.
(٤) البحر المديد ١/ ٥٧٠.
(٥) المرجع نفسه ٢/ ١٠٩.

<<  <   >  >>