للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهو يرى أن المراد من قوله تعالى: {مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} هو علم الحقيقة إذ قال في تفسيره:

"وعلَّمناه من لدنا علما خاصًا، لا يُكتنه كنهه، ولا يُقدر قدره، وهو علم الغيوب، أو أسرار الحقيقة" (١).

فيجاب عن ذلك أن هذه القصة باطلة بكلام العلماء المحققين، قال ابن حجر (٢): "قوله: يا موسى إن لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه أي جميعه وإن لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه أي: جميعه وتقدير ذلك متعين؛ لأن الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر ما لا غنى بالمكلَّف عنه وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي" (٣).

وقال القاضي عياض - رحمه الله - (٤): "وقيل مراد موسى - عليه السلام - بقوله (أنا أعلمُ) أي بوظائف النبوة وأمور الشريعة وسياسة الأمر والخضر أعلم منه بأمورٍ أُخر من علوم غيبية كما ذكر من خبرهما، وكان موسى - عليه السلام - أعلم على الجملة والعموم مما لا يمكن جهل الأنبياء بشيءٍ منه، والخضر أعلم على الخصوص بما أعلم من محنات الغيب وحوادث القدر، وقصص الناس مما لا يعلم الأنبياء منه إلا ما أعلموا به مما استأثر الله به من غيبه، وما قدره وسبق في علمه مما كان، ويكون في خلقه؛ ولذلك قال


(١) البحر المديد ٣/ ٢٨٦.
(٢) هو أبو الفضل، أحمد بن علي بن محمد بن حجر الكناني العسقلاني، شهاب الدين، ولد سنة ٧٧٣ هـ، أقبل على الحديث، ورحل إلى اليمن له تصانيف كثيرة، وأصبح حافظ الإسلام في عصره، توفي سنة ٨٥٢ هـ، ينظر: البدر الطالع بمحاسن ما بعد القرن السابع ١/ ٨٧.
(٣) فتح الباري ٨/ ٤١٨.
(٤) أبو الفضل، عياض بن موسى بن عياض بن عمرو اليحصبي السبتي، من علماء المغرب، استقرَّ في فاس، له مؤلفات منها: ترتيب المدارك، كتاب الشفاء، توفي سنة ٥٤٤ هـ. ينظر: وفيات الأعيان ٢/ ٢٣٠.

<<  <   >  >>