للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإخلاص له والتوكل عليه والرضا عنه ونحو ذلك كلها مأمور بها في حق الخاصة والعامة لا يكون تركها محمودًا في حال أحد وإن ارتقى مقامه ... وهي حسنة محبوبة في حق كل أحد من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، ومن قال إن هذه المقامات تكون للعامة دون الخاصة فقد غلط في ذلك إن أراد خروج الخاصة عنها، فإن هذه لا يخرج عنها مؤمنٌ قط وإنما يخرج عنها كافر أو منافق" (١).

وقال ابن القيم - رحمه الله -: "إنَّ دعوى المدعى أَنَّها من منازل العوام ودعوى أنها معلولة غلط من وجهين:

أحدهما: أَنَّ أعلى المقامات مقرون بأدناها مصاحب له كما تقدَّم، متضمِّن له تضمن الكل لجزئه، أو مستلزم له استلزام الملزوم للازمه لا ينفك عنه أبدًا، ولكن لاندراجه فيه وانطواءِ حكمه تحته يصير المشهد والحكم للعالي.

الوجه الثاني: أن تلك المقامات والمنازل إِنما تكون في منازل العوام وتعرض لها العلل بحسب متعلقاتها وغاياتها، فإِن كان متعلقها وغاياتها بريئًا من شوائب العلل وهو أجلُّ متعلّق وأَعظمه، فلا علة فيها بحال، وهي من منازل الخواص من جهة تعلقها بحظه ... " (٢).

وزعم هؤلاء القوم بإسقاط التدبير (٣) عن الخواص الذين فنوا في أفعال الله، وغابوا عن كل شيء، واستوى عندهم كل شيء، "فلا تغيرهم واردات الأحوال؛ لأنهم بالله ولله لا لشيءٍ سواه" (٤)، فلم يقفوا مع حال ولا مقام.


(١) مجموع الفتاوى ١٠/ ١٦ - ١٧.
(٢) طريق الهجرتين، ص ٢١٩.
(٣) وهذا أدى إلى ضلالهم في باب القدر بإسقاط التدبير والاختيار عن العبد.
(٤) إيقاظ الهمم، ص ١٧٢ - ١٧٣.

<<  <   >  >>