للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذليلًا لا يتمنَّى العز، وإذا كان فقيرًا لا يتمنَّى الغنى، ... وإذا كان قويًّا لا يتمنَّى الضعف، وهكذا باقي الأحوال ينظر الله ما يفعل الله به، ولا ينظر ما يفعل بنفسه لتحقق زواله، بل يكون كالميت بين يدي الغاسل، أو كالقلم بين الأصابع" (١).

وهذا كله باطل، فنحن مأمورون بالتحاكم لكتاب الله - عز وجل -، لا إلى الوقت، ومراد القوم من هذا ألا يكون للعبد إرادة أبدًا، بل هو خاضعٌ لحكم الوقت، وترتب عليه لو عمل أحدهم طاعة سواء واجبة أو مندوبة لا يقتضيها حكم الوقت الذي هو فيه فقد خرج عن دائرة العبادة وفعل فعلًا اتباعًا لما أملت عليه نفسه.

ولذلك نبذوا اتخاذ الأسباب وراء ظهورهم، وظنُّوا أنهم مؤمنون بالقدر على الوجه المقصود.

قال ابن تيمية - رحمه الله -: "آمنوا بالقدر، وظنُّوا أن ذلك كافٍ في حصول المقصود، فأعرضوا عن الأسباب الشرعية، والأعمال الصالحة، وهؤلاء يؤول بهم الأمر إلى أن يكفروا بكتب الله ورسله ودينه" (٢).

ولهذا لا بدَّ من معرفة الموقف الشرعي للتعامل مع الأسباب، قال ابن تيمية - رحمه الله -: "فمن أعرض عن الأمر والنهي والوعد والوعيد ناظرًا إلى القدر فقد ضلَّ، ومن طلب القيام بالأمر والنهي معرضًا عن القدر فقد ضل، بل المؤمن كما قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (٣) فنعبده اتباعًا للأمر ونستعينه إيمانًا بالقدر، وفي الحديث الصحيح عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من


(١) إيقاظ الهمم، ص ٨١.
(٢) مجموع الفتاوى ٨/ ٧١.
(٣) سورة الفاتحة: ٥.

<<  <   >  >>