السلوك اختلاف كثير في عدد المقامات وترتيبها، كلٌّ يصف منازل سيره، وحال سلوكه، ولهم اختلاف في بعض منازل السير هل هي من قسم الأحوال؟ والفرق بينهما: أنَّ المقامات كسبية، والأحوال وهبية، ومنهم من يقول: الأحوال من نتائج المقامات، والمقامات نتائج الأعمال، فكلُّ من كان أصلح عملًا كان أعلى مقاما، وكلُّ من كان أعلى مقامًا كان أعظم حالًا ... والصحيح في هذا أن الواردات والمنازلات لها أسماء باعتبار أحوالها، فتكون لوامع وبوارق ولوائح عند أول ظهورها وبدوها، كما يلمع البارق ويلوح عن بعد، فإذا نازلته وباشرها فهي أحوال، فإذا تمكَّنت منه وثبتت له من غير انتقال فهي مقامات، وهي لوامع ولوائح في أولها، وأحوال في أوسطها، ومقامات في نهاياتها، فالذي كان بارقًا هو بعينه الحال، والذي كان حالًا هو بعينه المقام، وهذه الأسماء له باعتبار تعلقه بالقلب، وظهوره له، وثباته فيه، وقد ينسلخ السَّالك من مقامه كما ينسلخ من الثوب، وينزل إلى ما دونه، ثم قد يعود إليه، وقد لا يعود" (١).
وكذلك ردَّ عليهم ابن القيم في دعوى وجوب ترتيب المقامات فقال: "على أنَّ الترتيب الذي يشير إليه كلُّ مرتب للمنازل لا يخلو عن تحكُّم، ودعوى من غير مطابقة، فإنَّ العبد إذا التزم عقد الإسلام، ودخل فيه كله، فقد التزم لوازمه الظاهرة والباطنة، ومقاماته وأحواله، وله في كل عقد من عقوده وواجب من واجباته أحوال ومقامات، لا يكون موفيًا لذلك العقد والواجب إلا بها، وكُلَّما وفى واجبًا أشرف على واجب آخر بعده، وكلما قطع منزلة استقبل أخرى، وقد يعرض له أعلى المقامات والأحوال في أول بداية سيره، فينفتح عليه من حال المحبة والرضا والأنس