للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والطمأنينة ما لم يحصل بعد لسالك في نهايته، ويحتاج هذا السالك في نهايته إلى أمور من البصيرة، والتوبة، والمحاسبة أعظم من حاجة صاحب البداية إليها، فليس في ذلك ترتيب كُليٌّ لازم للسلوك" (١).

وأوضح - رحمه الله - أنَّ المتأخرين من المتصوفة خالفوا المتقدمين في الطريقة يقول: "فالأولى الكلام في هذه المقامات على طريق المتقدمين من أئمة القوم كلامًا مطلقًا في كلِّ مقام مقام، ببيان حقيقته وموجبه، وآفته المانعة من حصوله، والقاطع عنه، وذكر عامه وخاصه، فكلام أئمة الطريق هو على هذا المنهاج ... فإنهم تكلموا على أعمال القلوب، وعلى الأحوال كلامًا مفصلًا جامعًا مبيّنًا مطلقًا من غير ترتيب، ولا حصر للمقامات بعدد معلوم، فإنهم كانوا أجلَّ من هذا، وهمهم أعلى وأشرف، إنما هم حائمون على اقتباس الحكمة والمعرفة، وطهارة القلوب، وزكاة النفوس، وتصحيح المعاملة، ولهذا كلامهم قليل، فيه البركة، وكلام المتأخرين كثير طويل قليل البركة" (٢).

أما عقيدة أهل السُّنَّة فتوجب الجمع بين المقامات، ليس كما قال ابن عجيبة: "ألا يترقى مقامًا حتى يستوفي أحكامه" (٣).

قال ابن القيم - رحمه الله -: "كلُّ مقام مع الذى فوقه، كالتوكل مع الرضا، وكالخوف والرجاء مع الحب، فإِنَّ المقام لا ينعدم بالترقي إلى الآخر ولو عدم لخلفه ضده؛ وذلك رجوع إلى نقص الطبيعة وصفات النفس المذمومة، وإِنما يندرج حكمه في المقام الذى أعلى منه، فيصير الحكم له كما يندرج مقام المتوكل في مقام المحبة والرضا، وليس هذا كمنازل سير الأبدان الذى إذا قطع منها منزلًا خلَّفه وراءَ ظهره واستقبل المنزل الآخر معرضًا عن الأَول بارتحاله" (٤).


(١) مدارج السالكين ١/ ١٥٨.
(٢) المرجع نفسه ١/ ١٥٨.
(٣) الفتوحات الإلهية, ص ٩٥.
(٤) طريق الهجرتين, ص ٢١٩.

<<  <   >  >>