للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ولكن أصحاب الفناء كلهم يرون أن فوق هذا مقامًا أجل منه وأعلى؛ لأنَّ الشكر عندهم يتضمَّن نوع دعوى، وأنه شكر الحق على إنعامه، ففي الشاكر بقية من بقايا رسمه لم يتخلص عنها ويفرغ منها، فلو فني عنها بتحقيقه أن الحق سبحانه هو الذي شكر نفسه بنفسه، وأن من لم يكن كيف يشكر من لم يزل، علم أن الشكر من منازل العامة" (١).

وردَّ عليهم ابن القيم بقوله: "فأمَّا تضمن الشكر لنوع دعوى فإن أريد بهذه الدعوى إضافة العبد الفعل إلى نفسه، وأنه كان به وغاب بذلك عن كونه بحول الله وقوته، ومنَّته على عبده فلعمر الله هذه علة مؤثِّرة ودعوى باطلة كاذبة.

وإن أريد: أن شهوده لشكره شهوده لنعمة الله عليه به وتوفيقه له فيه وإذنه له به ومشيئته عليه ومنَّته، فشهد عبوديته وقيامه بها، وكونها بالله، فأي دعوى في هذا؟ وأي علة؟ نعم غايته أنه لا يجامع الفناء، ولا يخوض تياره فكان ماذا؟ فأنتم جعلتم الفناء غاية، فأوجب لكم ما أوجب، وقدمتموه على ما قدمه الله ورسوله، فتضمَّن ذلك تقديم ما أخّر، وتأخير ما قدّم، وإلغاء ما اعتبر، واعتبار ما ألغى" (٢).

ب- الزهد.

قال ابن عجيبة: "الزهد في الشَّيء هو خروج محبته من القلب، وبرودته منه، وعند القوم بغض كل ما يشغل عن الله، ويحبس عن حضرة الله" (٣).

ثم ذكر تقسيمًا صوفيًّا للزهد فقال: "أولًا: الزهد في المال، وعلامته أن يستوي


(١) مدارج السالكين ٢/ ٢٥٩ - ٢٦٠.
(٢) المرجع نفسه ٢/ ٢٥٠.
(٣) إيقاظ الهمم، ص ١١٤.

<<  <   >  >>