للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذهب والتراب، والفضَّة والحجر، والغنى والفقر، والمنع والعطاء، وثانيًا: الزهد في الجاه والمراتب، وعلامته أن يستوي عنده العز والذل، والظهور والخمول، والمدح والذم، والرفعة والسقوط، وثالثًا: ويكون ثالثًا في المقامات، والكرامات، والخصوصيات، وعلامته أن يستوي عنده الخوف والرجاء، والقوة والضعف، والبسط والقبض، يسير بهذا كما يسير بهذا، أو يعرف في هذا كما يعرف في هذا، ثم يكون الزهد في الكون بأسره بشهود المكون وأمره، فإذا تحقق المريد بهذا المقامات في الزهد أو جلها كان عمله كله عظيمًا كبيرًا في المعنى عند الله، وإن كان قليلًا في الحس عند الناس" (١).

ولا ريب أنَّ الزهد مقام شريف يحرص عليه المؤمن، لكن وفق الكتاب والسُّنَّة وما عليه سلف الأُمَّة، فمن رغب عن شيءٍ نافع مشروع لا يُسمَّى زاهدًا، بل هو جهلٌ وضلال.

وكُلَّما ابتعد الزاهد عن المفهوم الشرعي للزهد ظهرت البدع والخرافات.

قال ابن الجوزي - رحمه الله -: "دخل المتزهدون في طرق لم يسلكها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا أصحابه - رضي الله عنهم - من إظهار التخشُّع الزائد في الحد والتنوق (٢) في تخشين الملبس ... " (٣).

وقال أيضًا: "قد يسمع العامي ذم الدنيا في القرآن المجيد والأحاديث فيرى أنَّ النَّجاة تركها ولا يدري ما الدنيا المذمومة فيلبِّس عليه إبليس بأنك لا تنجو في الآخرة إلا بترك الدنيا، فيخرج على وجهه إلى الجبال، فيبعد عن الجمعة والجماعة والعلم ويصير كالوحش، ويُخيَّل إليه أنَّ هذا هو الزهد الحقيقي" (٤).


(١) إيقاظ الهمم، ص ١١٤.
(٢) التنوق: المبالغة في التجويد، يقال: تنوق في منطقه، وتنوق في ملبسه. ينظر: العين ٥/ ٢٢٠، المحكم والمحيط الأعظم ٦/ ٥١١.
(٣) صيد الخاطر، ص ١١٢.
(٤) تلبيس إبليس، ص ١٨٥.

<<  <   >  >>