للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وديننا أمرنا بالاعتدال في كلِّ شؤوننا، فلا يكلف الإنسان نفسه بما لا يستطيع، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (١).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «دعوني ما تركتكم، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم» (٢).

وعن عائشة - رضي الله عنها - أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها امرأة فقال: من هذه؟ قالت: فلانة تذكر من صلاتها قال: «مه عليكم بما تطيقون, فوالله لا يملّ الله حتى تملوا, وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه» (٣).

ولا شكَّ أنَّ ابن عجيبة جانب الصواب بمحاربة النفس وقهرها، وترك الدنيا بالكُليَّة والتجرُّد من المال.

يقول ابن قدامة المقدسي - رحمه الله -: "والزهد عبارة عن انصراف الرغبة عن الشَّيء إلى ما هو خير منه، وشرط المرغوب عنه أن يكون مرغوبًا فيه بوجه من الوجوه، فمن رغب عن شيءٍ ليس مرغوبًا فيه ولا مطلوبًا في نفسه لم يُسمَّ زاهدًا، كمن ترك التراب لا يُسمى زاهدًا.

وقد جرت العادة بتخصيص اسم الزاهد بمن ترك الدنيا، ومن زهد في كلِّ شيءٍ سوى الله تعالى، فهو الزاهد الكامل، ومن زهد في الدنيا مع رغبته في الجنَّة ونعيمها فهو أيضًا زاهد، ولكنه دون الأول، واعلم أنه ليس من الزهد ترك المال،


(١) سورة التغابن: ١٥.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ٤/ ٣٦١، رقم ٧٢٨٨.
(٣) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب أحب الدين إلى الله أدومه، ١/ ٣٠، رقم ٤٣.

<<  <   >  >>