للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أضرحة الشيوخ لبيت الله الحرام، من جعل الكسوة لها، وتحديد الحرم على مسافة معلومة بحيث يكون من دخل تلك البقعة من أهل الجرائم أصبح آمنًا، وسوق الذبائح إليها على هيئة الهدي، واتخاذ المواسم كل عام، وهذا وأمثاله لم يشرع إلا في حق الكعبة، ومن المناكير التي يجب أن تغير اجتماع القوم كل سنة للوقوف يوم عرفة بضريح عبد السلام ابن مشيش، ويسمون ذلك بحج المسكين، فانظر إلى هذه الطامة التي اخترعها هؤلاء العامة ((١).

فمن كانت هذه مقالاته فهل يستحق مدحًا أو منافحة؟

وإنك لتعجب من ابن عجيبة كيف يمدح الحلاج الذي اعتقد أن إبليس موحِّد، بقوله: "وما كان موحِّد في أهل السَّماء مثل إبليس" (٢).

وابن عجيبة امتدادٌ لأولئك فلايستغرب منه ذلك، فالمعدن واحد، وكما قيل: الصوفية أهل بيت واحد وإن اختلفت عباراتهم.

فهؤلاء القوم تأثروا بفلسفات وأفكار إلحادية -والعياذ بالله- فجعلوا مقصودهم التشبه بصفات الله بحلولهم فيه -تعالى الله عمَّا يقولون- فزعموا أنَّ من أوليائهم من يتصرَّف في الكون (٣)، أو ينطق بكن (٤) قبل أن تكون


(١) ينظر: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ١/ ٢٠١، معلمة التصوف ١/ ٢٠٩.
(٢) طواسين الحلاج، ص ٩٧.
(٣) نقل الشيخ الألباني عن أحد الصوفية قوله: "ونراهم -يعني العامة- يحلفون بالأولياء، وينطقون في حقهم بما ظاهره الكفر الصراح، بل هو الكفر حقيقة بلا ريب ولاشك ... فإن عندنا بالمغرب من يقول عن القطب الأكبر مولانا عبد السلام ابن مشيش: أنه الذي خلق الدين والدنيا! ومنهم من قال والمطر نازل بشدة: يا مولانا عبد السلام الطف بعبادك! فهذ كفر" وعلَّق الألباني على هذا بقوله: "فهذا الكفر أشد من كفر المشركين؛ لأنَّ هذا فيه التصريح بالشرك في توحيد الربوبية أيضًا، وهو مما لا نعلم أنه وقع من المشركين أنفسهم! وأمَّا الشرك في الألوهية فهو أكثر في جهال هذه الأمة، ولا أقول عوامهم". تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، ص ٧٣.
(٤) كقول ابن عربي: "ما ثمَّ إلا عبدٌ وربّ، والعبد لا يتميز عن الربِّ إلا بالافتقار، فإذا ذهب الله بفقره كساه حلَّة الصفة الربانية، فأعطاه أن يقول للشيء كن فيكون". الفتوحات المكية، لابن عربي ١١/ ٥٨، ينظر: شرح الآجرومية لابن عجيبة، ص ١٠١.

<<  <   >  >>