الْمَذْكُور كَانَ حريق جَامع دمشق الَّذِي كَانَ عمره الْوَلِيد بن عبد الْملك وكلفه وَقد تقدم ذكره عِنْد ذكر خلَافَة الْوَلِيد وَكَانَ حريقه فِي هَذِه السّنة وَسبب الْحَرِيق أَن غلْمَان الفاطميين والعباسيين اخْتَصَمُوا فِيمَا بَينهم فألقيت نَارا بدار الْملك وَهِي الخضراء بِجَانِب الْمَسْجِد من جِهَة الْقبْلَة فاحترقت وتعدى حريقها حَتَّى وصل إِلَى الْجَامِع فَسَقَطت سقوفه وتناثرت فصوصه المذهبة الني على جدرانه وتغيرت معالمه ومحاسنه وتبدلت بهجته بضدها وَقد كَانَت سقوفة مذهبَة مبطنة كلهَا والجملونات من فَوْقهَا وجدرانه بالفصوص المذهبة والملونة مُصَور فِيهَا جَمِيع بِلَاد الدُّنْيَا الْكَعْبَة وَمَكَّة فَوق الْمِحْرَاب والبلاد كلهَا شرقيها وغربيها كل فِي مَكَانَهُ اللَّائِق بِهِ وَفِيه كل شَجَرَة مثمرة وَغير مثمرة كل مُصَور فِي بلدانه وأوطانه والستور مرخاة على أبوابه النافذة إِلَى الصحن وعَلى أصل الْحِيطَان إِلَى مِقْدَار الثُّلُث مِنْهَا وَبَاقِي الجدران بالفصوص المذهبة والملونة وأرضه كلهَا بالفصوص الرخام الملون وَلم يكن فِي الدُّنْيَا بِنَاء أحسن مِنْهُ لَا قُصُور الْمُلُوك وَلَا غَيرهَا من دور الْخُلَفَاء وَغَيرهم ثمَّ لما وَقع هَذَا تبدل الْحَال الْكَامِل بضده وَصَارَت أرضه طيناً فِي الشتَاء غباراً فِي الصَّيف وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى تبلط فِي زمن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب بعد الستمائة وَكَانَ جَمِيع مَا سقط من الرخام وَغَيره مستودعاً فِي الْمشَاهد الْأَرْبَعَة شرقيه وغربيه حَتَّى فرغها من ذَلِك القَاضِي كَمَال الدّين الشهرزوري فِي زمن الْملك الْعَادِل نور الدّين الشَّهِيد مَحْمُود بن زنكي حِين ولاه نظر الْأَوْقَاف كلهَا وَلم تزل الْمُلُوك تجدّد فِي محاسنة إِلَى زَمَاننَا هَذَا فتماثل حَاله فِي زمن الْأَمِير شكر بن عبد الله الناصري نَائِب الشَّام وَذَلِكَ فِي سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَأما الخضراء وَهِي دَار الْملك والإمارة فبادت وَصَارَت كوماً تُرَابا بَعْدَمَا كَانَت فِي غَايَة الإحكام والإتقان وَحسن الْبناء وَطيب الفناء فَهِيَ إِلَى يَوْمنَا هَذَا لَا يسكنهَا لرذالة مَكَانهَا إِلَّا سفلَةُ النَّاس وأسقاطهم بعد مَا كَانَت دَار الْملك والإمارة مُنْذُ أسسها مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان الْأمَوِي كَذَا فِي تَارِيخ ابْن السُّبْكِيّ وَكَانَ الْقَائِم بِأَمْر الله أَبيض مليح الْوَجْه مشربَاً بحمرة ورعاً زاهداً عابداً مرِيدا لقَضَاء حوائج الْمُسلمين موقرَاً لأهل الْعلم مُعْتَقدًا فِي الْفُقَرَاء
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute