من الْجِنّ والنسناس الَّذين خلقهمْ الله وأسكنهم أوساط الأَرْض تمردوا وبغوا فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وَعلا بَعضهم على بعض من العتو وَسَفك الدِّمَاء فِيمَا بَينهم وجحدوا الربوبية وأقامت الطَّائِفَة المطيعون على طَاعَة الله وباينوا الطَّائِفَتَيْنِ من الْجِنّ والنسناس الَّذين عتوا عَن أَمر الله فحط الله أَجْنِحَة الطَّائِفَة العاتية من الْجِنّ فَكَانُوا لَا يقدرُونَ على الطيران إِلَى السَّمَاء لما ارتكبوا من الذُّنُوب وَكَانَت الطَّائِفَة المطيعة من الْجِنّ تطير إِلَى السَّمَاء اللَّيْل وَالنَّهَار على مَا كَانَت عَلَيْهِ وَكَانَ إِبْلِيس واسْمه الْحَارِث يظْهر للْمَلَائكَة أَنه من الطَّائِفَة المطيعة ثمَّ خلق الله خلقا على خلاف خلق الْمَلَائِكَة وعَلى خلاف خلق الْجِنّ وعَلى خلاف خلق النسناس يدبون كَمَا تدب الْهَوَام فِي الأَرْض يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام من مرَاعِي الأَرْض كلهم ذكران لَيْسَ فيهم أُنْثَى لم يَجْعَل الله فيهم شَهْوَة النِّسَاء وَلَا حب الْأَوْلَاد وَلَا الْحِرْص وَلَا طول الأمل وَلَا لَذَّة عَيْش لَا يلْبِسهُمْ اللَّيْل وَلَا يَغْشَاهُم النَّهَار لَيْسُوا ببهائهم وَلَا هوَام لباسهم ورق الشّجر وشربهم من الْعُيُون الغزار والأودية الْكِبَار ثمَّ أَرَادَ الله أَن يُفَرِّقهُمْ فرْقَتَيْن فَجعل فرقة خلف مطلع الشَّمْس من وَرَاء الْبَحْر فكون لَهُم مَدِينَة أَنْشَأَهَا لَهُم تسمى جابرسا طولهَا اثْنَا عشر ألف فَرسَخ فِي اثْنَي عشر ألف فَرسَخ وَكَون عَلَيْهَا سوراً من حَدِيد يقطع الأَرْض إِلَى السَّمَاء ثمَّ أسكنهم فِيهَا وأسكن الْفرْقَة الْأُخْرَى خلف مغرب الشَّمْس من وَرَاء الْبَحْر وَكَون لَهُم مَدِينَة أَنْشَأَهَا لَهُم تسمى جابلقا طولهَا اثْنَا عشر ألف فَرسَخ فِي اثْنَي عشر ألف فَرسَخ وَكَون لَهُم سوراً من حَدِيد يقطع إِلَى السَّمَاء وأسكن الْفرْقَة الْأُخْرَى فِيهَا لَا يعلم أهل جابرسا بِموضع أهل جابلقا وَلَا يعلم أهل جابلقا بِموضع أهل جابرسا وَلَا يعلم بهَا أهل أوساط الأَرْض من الْجِنّ والنسناس فَكَانَت الشَّمْس تطلع على أهل أوساط الأَرْض من الْجِنّ والنسناس فينتفعون بحرها ويستضيئون بنورها ثمَّ تغرب فِي عين حمئة فَلَا يعلم بهَا أهل جابلقا إِذا غربت وَلَا يعلم بهَا أهل جابرسا إِذا طلعت لِأَنَّهَا تطلع من دون جابرسا وتغرب من دون جابلقا فَقيل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَيفَ يبصرون