[أدلة أهل السنة في إثبات الصفات الذاتية والفعلية]
ذكرنا أن صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: صفات ذاتية، وصفات فعلية.
فصفة الوجه في قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:٢٧] ، وقوله تعالى: {إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} [الليل:٢٠] ونحوه صفة ذات؛ لأن الوجه بعض من الذات.
وصفة السمع والبصر في قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء:١٣٤] ، وقوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} [المجادلة:١] ، وقوله: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء:٢١٨] هاتان صفتان ذاتيتان.
وصفة العلم والقدرة صفات ذاتية أيضاً ولا شك أنه دائماً متصف بالعلم وبالقدرة، وما ذاك إلا أنها صفات كمال، وإذا فقدت حل بدلها نقص، فلذلك نقول: إنها صفات ذاتية.
وكذلك صفة القوة والعزة صفات ذاتية أيضاً، وذلك لأنها ملازمة للموصوف، فهو تعالى قوي، ولا يكون في وقت من الأوقات مخالفاً للقوة، وكذلك عزيز لا تنتفي عنه العزة في وقت من الأوقات.
فلذلك يثبت أهل السنة هذه الصفات ويجعلونها صفات ذاتية، ويوافقهم الأشاعرة على إثبات السمع والبصر والقدرة والإرادة والحياة والعلم والكلام، وذلك لأنهم أثبتوها بالعقل، ولم يستندوا في إثباتها إلى النقل، فلما رأوا أن العقل يثبتها أثبتوها، ولكن ألزموا بالبقية كالقوة والعزة والحكمة، وبإثبات صفات الذات كالوجه واليد وما أشبه ذلك، فيلزمهم إثبات ذلك.
وقد ذكرنا أن الله تعالى وصف نفسه بأنه بصير، كما في قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء:١٣٤] ، والبصر هو إدراك الأشياء.
ويقول العلماء: إن الله تعالى سمى نفسه بصيراً، فيلزم إثبات كمال البصر.
ويقولون أيضاً: إنه سبحانه كما أثبت الاسم-بصيراً- فقد أثبت الفعل، كما في قوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦] ، (أسمع وأرى) هذان فعلان، وكذلك في قوله: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء:٢١٨] (يراك) فعل مضارع، فيدل على إثبات أن الله تعالى يرى العباد، وأنه لا يخفى عليه منهم خافية.
وكذلك أيضاً أثبت لنفسه صفة العين في قوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩] ، وأثبت الأعين: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:١٤] {وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} [هود:٣٧] والعين هي آلة البصر، فأثبت لنفسه هذه الصفات -البصر والعين والرؤية- أي أنه يرى، وكل ذلك أدلة واضحة في إثبات هذه الصفات، فيثبتها أهل السنة كما جاءت.
وقد ورد في آية طه: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩] ، فهذا فيه إثبات العين مفرد، ولكن يراد بها الجنس، كما أثبت اليد في قوله: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:١] أي: جنس اليد.
وورد في آية القمر: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:١٤] بلفظ الجمع، والجمع هاهنا مضاف إلى ضمير الجمع (أعيننا) ، وقد ذكرنا أن هذا الجمع لأجل التعظيم، فالله تعالى يذكر نفسه بلفظ الجمع، كما في قوله: {نَحْنُ قَسَمْنَا} [الزخرف:٣٢] والجمع يذكره من يعظم نفسه، قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا} [الزخرف:٣٢] ، {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:١] {بِأَعْيُنِنَا} [هود:٣٧] ، فقوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:١٤] {وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} [هود:٣٧] من باب ذكر الجمع لمناسبة ضمير الجمع.
فهذا هو دليل إثبات هذه الصفات.