[أهل الحديث متفقون على عقيدة واحدة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعتقاد أئمة أهل الحديث] .
أي أن هذا الأصل وهذا المذهب هو معتقد أئمة الحديث، وخاصة أهل الحديث؛ لأنهم أولى بالاتباع، واشتغالهم بالحديث وتكرارهم له وروايتهم له وحفظه وكتابته ونسخه وسفرهم في طلبه وحرصهم على جمعه وتبويبه وترتيبه وتنسيقه وشرح غريبه وصحيحه من سقيمه ونحو ذلك هذا الاجتهاد الذي بذلوه في الحديث مكنهم من أن يعتقدوا الاعتقاد الصحيح، فغيرهم ليس مثلهم، فإذا نظرنا إلى أولئك المبتدعة الذين خالفوا في هذه العقيدة وجدنا سبب ذلك عدم اشتغالهم بالحديث، وإذا اشتغلوا به فإنما هو اشتغال أولي ومُجرد نظر وسماع دون أن يكون ذلك شغلهم الشاغل.
فأئمة الحديث كـ البخاري ومسلم والإمام أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي والإمام مالك، ومن قبلهم كـ شعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والليث بن سعد وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وعبد الرزاق بن همام ومحمد بن رافع وأشباههم هؤلاء جعلوا الحديث شغلهم الشاغل، صاروا يشتغلون به ليلهم ونهارهم لا يفترون ولا يملون، ويسافرون لأجل أن يتلقوا الأحاديث، ويحرصون على أن يأخذوها عن كبار السن، ويكتبونها ويجمعونها ويؤلفونها.
فنقول: إنهم بذلك أهل لأن يكونوا أهل السنة والفرقة الناجية وعلى الطريقة المستقيمة، وعلى مثل ما عليه السلف والأئمة والصحابة والتابعون.
قال المصنف رحمه الله: [لم تشنهم بدعة ولم تلبسهم فتنة] .
البدع غالباً في غير أهل الحديث؛ لأننا إذا نظرنا إلى أولئك المبتدعة وجدناهم بعيدين عن الحديث، فمثلاً: بدعة التكفير التي هي بدعة الخوارج الذين يكفرون لا يعترفون بالأحاديث إنما يعكفون على القرآن، ومعلوم أن القرآن فيه مجملات، وهذه المجملات تحتاج إلى البيان من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله كلفه بذلك بقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:٤٤] ، فلما اقتصروا على القرآن، وأخذوا بمجمله وبظواهره كفّروا بالذنوب، واستباحوا الخروج على المسلمين، وقتلوا الأبرياء، ولو كانوا من أهل الحديث لسمعوا حرمة قتل المسلم والتبديع في ذلك: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث) ، (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) ، (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) لم يسمعوا بهذه، وإذا سمعوا بهذا لا يقبلوه.
كذلك أيضاً بدعة القدرية الذين أنكروا علم الله تعالى، لم يسمعوا بالأحاديث التي فيها علم الله السابق، مثل حديث: (أول ما خلق الله القلم) ، وما أشبهه من الأحاديث، ولم يؤمنوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من نفس منفوسة إلا وقد علم مقعدها من الجنة والنار) ، وكذلك الإيمان بقدرة الله تعالى، ما قبلوا ذلك ولم يشتغلوا به.
وكذلك أيضاً بدعة المعتزلة الذين أنكروا صفات الله تعالى وسموا ذلك توحيداً، ولو أنهم تأملوا الأحاديث كأحاديث النزول والرؤية، وصفات الأفعال، وصفات العلو التي ذكر فيها أن الله تعالى في السماء وما أشبه ذلك، ولو كانوا يشتغلون بالأحاديث لتقبلوها.
كذلك أيضاً يقال في الرافضة: إنهم لم يشتغلوا بالأحاديث، وتسلطوا على الآيات التي فيها فضل الصحابة وانشغلوا بها عن الأحاديث، وأعرضوا عن السنة، وإلا فلو تأملوا الأحاديث التي في فضل الشيخين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وغيرهم لو تأملوا ما فيها لما صدوا عنها، ولعرفوا أنها حق ويقين، وأنها تدل على فضلهم ومزيتهم، ولكن لما لم يشتغلوا بها بقوا على جهلهم واعتقدوا ما اعتقدوه، ولو أن متأخريهم اشتغلوا بها، ولكن بعدما وقرت تلك البدعة في قلوبهم.
ويقال كذلك في بقية البدع: إن من شانته البدعة ولبسته الفتنة فإنه ليس من أهل السنة، وليس من المتمسكين بما كانوا عليه، فالبدعة لا شك أنها تلبس أهلها والفتنة كذلك تلبسهم وتعمهم، ولا شك أنها أيضاً تحرفهم وتصرفهم وتصدهم عن الهدى.