قال المصنف رحمه الله تعالى: بعد ذلك يوصيكم فيقول: [فتمسكوا معتصمين بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا عنه] .
كأنه يأخذ ذلك من الآية الكريمة في سورة آل عمران:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:١٠٣] إلى قوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ}[آل عمران:١٠٥] .
والتمسك: هو الإمساك بالشيء القوي الذي يكون سبباً في النجاة، والحبل في الأصل: هو الخيط الذي يُدلى به الدلو، ويفتل بليف أو نحوه، ثم يدلى به الدلو في الآبار ويُغترف به الماء ونحوه، وقد يكون هذا الحبل سبباً في الخروج من الأزمات والمهاوي والحفر والدركات النازلة ونحو ذلك.
فشبه الله تعالى القرآن والسنة والدين بالحبل الذي دُلي من السماء، وروي في بعض الأحاديث أن رجلاً قال:(يا رسول الله! إني رأيت حبلاً دُلي من السماء فصعدتَ فيه حتى علوت، ثم صعد به رجل بعدك حتى ارتفع عليه، ثم صعد به رجل ثالث فارتفع، ثم صعد به آخر فانقطع، ثم إنه عقد فصعد به حتى ارتفع) ، فأَوّلَ ذلك بالخلفاء الثلاثة بعده، وأنه يأتي عثمان وقد قُطع عليه؛ حيث إنه عاقه هؤلاء الذين عابوه، فجعل هذا الحبل حبلاً واضحاً حسياً وهو في الحقيقة حبل معنوي، أي أنه وسيلة إلى الصعود، كأنه دلي حبل من السماء، وأن الذي يتمسك به يصعد إلى الدرجات العالية، فلذلك يقال: تمسكوا به: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:١٠٣] ، فيأمرنا بالتمسك -أي: إمساكه باليدين بقوة-، والاجتماع على هذا الحبل وعدم التفرق.