من عقيدة أهل السنة الترضي عن الصحابة والكف عن الوقيعة في الصحابة، وتأول القبيح عليهم، ويكلونهم فيما جرى بينهم على التأويل إلى الله عز وجل، وسبب إدخال هذا في العقيدة أن هناك أعداءً للصحابة أخذوا يولدون عليهم قصصاً ويلصقونها بهم ويعيبونهم بها.
إما من الخوارج الذين قاتلهم علي ومن معه من الصحابة، ولا بد أن يكون لهم بقايا، وإما من الرافضة الذين غلوا في علي وذريته وجفو في حق بقية الصحابة، ولما غلب عليهم هذا الجفاء وحقدوا على الصحابة كان من آثار حقدهم أن ولدوا عليهم حكايات لا أصل لها، وتتبعوا عثرات وجدت من بعضهم، فجعلوا من الحبة قبة ومن الصغيرة كبيرة، وحملوا كلامهم على محامل بعيدة عن العقول، ونسوا أو تناسوا فضائل الصحابة وأعمالهم الجليلة التي تميزوا بها عمن سواهم، وأخذوا يكيلون لهم من التهم ويرمونهم بالعظائم ويسبونهم، من أجل ذلك كان من اعتقاد أئمة الحديث الكف عن الوقيعة فيهم، أي: عن السب لهم، وذلك يستلزم ذكر فضائلهم ومحاسنهم، والثناء عليهم والترضي عنهم، واعتقاد أنهم خير قرون هذه الأمة، كما خيرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) ، كما أن الأمة أفضل الأمم، فإذا كانت الأمة المحمدية أفضل الأمم التي سبقتها فإن هذه الأمة أيضاً تتفاضل، فأفضلهم القرن الذي بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان كذلك فإن ما يرويه أعداؤهم من تلك المثالب والعيوب التي يقدحون بها فيهم أكثره كذب لاشك فيه، وذلك لأن العدو لابد أن يكذب على من عاداه، وما أكثر ما افترى عليهم أعداؤهم وقالوا عليهم ما لم يقولوا، وظنوا بهم ما ليس له أصل ولا حقيقة، ولم يبالوا أنهم يقولون الكذب.
فإذا قرأنا في كتب الرد على الرافضة نجد أنهم يتعمدون الكذب عليهم، حتى يقول بعض السلف لما ذكر الرافضة: لو كذبت لهم حديثاً لملئوا جيبي ذهباً.
أي: لو كذبت لهم حديثاً يناسبهم لكافئوني وأعطوني ما يقدرون عليه.
وهذا يدل على أنهم يتعمدون الكذب.
ونقول أيضاً: إذا كان فيها شيءٌ واقع فإن الأعداء يحملونه ما لا يحتمل، وإذا كان فيها شيء صحيح فإنه يغير عن هيئته ويزاد فيه، ويروونه على غير ما هو عليه، فيكونون قد زادوا فيه أو غيروا أسلوبه، ومعلوم أن الأسلوب يغير الحقيقة، فالإنسان قد يحكي قصة يعبر عنها بأسلوب تكون مدحاً، ثم يعبر عنها بأسلوب آخر يكون ذماً، يقول الشاعر: في زخرف القول تزيين لمنهجه والحق قد يعتريه سوء تعبير تقول هذا مجاج النحل تمدحه وإن تشأ قلت ذا قيئ الزنابير إن قلت: هذا مجاج النحل -تعني العسل- فهذه كلمة مدح، وإن قلت: هذا قيئ الزنابير فهذه كلمة ذم، والكل صحيح.
فالحاصل أن تلك القصص إذا رويت بأسلوب فيه قدح أصبحت معايب ومثالب، مع أنها في الحقيقة قد تكون مدائح، ولنأت على ذلك بأمثلة مما يذكر عند الرافضة.