لا شك أن أصل الخروج هو منابذتهم، فيقال: خرج على الأئمة بمعنى: نابذهم، وكفرهم، واستباح قتالهم، واستباح محارمهم.
فهذا هو الأصل في الخروج.
ولكن القسم الثاني يسمى تكفيراً وتضليلاً، وهو أيضاً قد يكون سبباً في وصول الأذى إلى ذلك المكفر، فإنَّا إذا رأينا مجموعتين: مجموعة يقاتلون الأئمة، وعندهم من القوة والذخائر ما يتمكنون به من أن يقاتلوا الإمام وأتباع الإمام والمسلمين الذين في طواعية ذلك الإمام سميناهم خوارج وسميناهم أهل خروج عن الطاعة.
ورأينا آخرين على معتقدهم ولكنهم لا يخرجون ولا يقاتلون ويسمون القعد، نقول هؤلاء: أيضاً لهم حكم الأولين، وقد يكون الأولون هم الذين يتأثرون بهم، وذلك لأن كثيراً من الخوارج في العهد الأول لا يرون القتال، ولكنهم يسمون القعد من القعود، ويقال: أنهم قاعدون، ولكنهم يحثون الآخرين الذين عندهم قوة وجرأة على القتال، يقولون: قاتلوهم فإن لكم أجراً، ولكم ولكم.
ذكروا ذلك في ترجمة عمران بن حطان، وكان أولاً من أهل السنة، وروى أحاديث عن عائشة وغيرها من الصحابة، وحدث عنه بعض العلماء، وله أحاديث في صحيح البخاري إلا أنه في آخر عمره تزوج امرأة من الخوارج يظن أنه سيؤثر فيها وأنه سيصلحها ولكنها أفسدته، فغيرت عقيدته فأصبح خارجياً، ولكنه من الخوارج القعد وليس من الذين يقاتلون، وهو الذي مدح ابن ملجم الذي قتل علياً بالأبيات المشهورة التي يقول فيها: يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناً إني لأذكره يوماً فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزاناً فرد عليه بعضهم بقوله: يا ضربة من شقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش سخطاناً إني لأذكره يوماً فألعنه جهراً وألعن عمران بن حطانا فالحاصل أن مثل هؤلاء يقال لهم: القُعَّد، فيعتبرون الحكام مثل غيرهم أنهم داخلون في الكفر.