للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كراهية أهل السنة للنزاع والاختلاف في الدين]

قال المؤلف رحمه الله: [ويرون ترك الخصومات والمراء في القرآن وغيره؛ لقوله عز وجل: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر:٤] يعني: يجادل فيها تكذيباً بها] .

كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره الخصومات والمنازعات، ويحث على أن يتقبل الإنسان كل ما جاءه من الآيات، وما عرف منها فإنه يعمل به ويقول به، وما التبس عليه فإنه يؤمن به ويعرف أنه حق وعلى حقيقته، ولا يتقعر في البحث عنه، ولا يضرب كتاب الله بعضه ببعض، ففي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه جاء مرة هو وأخوه إلى المسجد النبوي، فوجدا في المسجد حلقة من الصحابة، وإذا هم يتنازعون في القدر، يعني: كأنهم يتنازعون في إثبات قدرة الله تعالى، فهذا ينزع بآية وهذا ينزع بآية فيتجادلون، وقد أدى بهم ذلك إلى الاختلاف وإلى أن ادعوا أن القرآن يخالف بعضه بعضاً، هذا يستدل بآيات على ما يقوله، وهذا يستدل بآيات على ما يقوله، وارتفعت أصواتهم حتى سمعها النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج عليهم مغضباً قد احمر وجهه وكأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فوقف عليهم وقال: (يا عباد الله! أبهذا أمرتم؟ أم بهذا كلفتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟! ما عرفتم منه فقولوا به واعملوا به، وما لم تعلموا فكلوه إلى عالمه ولا تضربوا بعضه ببعض) ، فنهاهم عن هذا الجدال وهذه المنازعات.

فنحن نقول: إن كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم نزلت ليصدق بعضها بعضاً، فهكذا علينا أن نعمل بها، وأن نقول بها ولا نجادل ولا نخاصم ولا نضرب بعض الآيات ببعض، بل نعمل بما ظهر لنا منها، وما أشكل علينا نكله إلى عالمه، ونعلم حقاً أن كله حق، وأن كتاب الله تعالى محكم لا يمكن أن يكون فيه اختلاف، كما قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢] ، فهو يصدق بعضه بعضاًَ، فليس فيه اختلاف، هذا هو الذي يعتقده أهل السنة، وإذا استدل بعضهم بآيات وادعى أن فيها دلالة على مذهبه نرد عليه بأنها في الحقيقة ليست على ما يقوله المبطلون والمضلون ولو فهم منها ما فهم، فالعيب من سوء الفهم.

ثم تكلم بعد ذلك الإسماعيلي على الخلفاء الراشدين، فذكر أنهم يثبتون خلافتهم، فأولهم الخليفة الراشد أبو بكر رضي الله عنه، اختاره الصحابة ورضوا بخلافته، ثم إنه رضي الله عنه عند موته استخلف عمر وأقره الصحابة على خلافته، وبقي خليفة إلى أن قتل رضي الله عنه، ثم استخلف بعده الصحابة عثمان رضي الله عنه، حيث اجتمع عليه أهل الشورى ورضوا بخلافته وبايعوه، ثم لما قتل عثمان رضي الله عنه اتفق الصحابة الباقون على تولية علي رضي الله عنه ومبايعته، فبايعه بقية الصحابة، وإنما لم يبايعه بعض الصحابة لا لأهليته ولكن لأمر عرض لهم، فأهل مكة الذين خرجوا إلى الشام بقيادة عائشة ومن معها لم يدعوا أنه ليس أهلاً، ولكن أرادوا بذلك المطالبة بدم عثمان، وكذلك أهل الشام الذين جاؤوا بقيادة معاوية لم يطعنوا في خلافة علي، ولكنهم كانوا يطالبون بدم عثمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>