للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مذهب أهل السنة والجماعة في العقيدة]

قال الشيخ الحافظ أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله تعالى في بيان اعتقاد أهل السنة: [بسم الله الرحمن الرحيم، اعلموا -رحمنا الله وإياكم- أن مذهب أهل الحديث -أهل السنة والجماعة- الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقبول ما نطق به كتاب الله تعالى وما صحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نعدل عما ورد به ولا سبيل إلى رده؛ إذ كانوا مأمورين باتباع الكتاب والسنة مضموناً لهم الهدى فيهما، مشهوداً لهم بأن نبيهم صلى الله عليه وسلم يهدي إلى صراط مستقيم، محذرين في مخالفته الفتنة والعذاب الأليم.

ويعتقدون أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى، موصوف بصفاته التي سمى ووصف بها نفسه ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم، خلق آدم بيده، ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بلا اعتقاد الكيف.

وأنه جل وعلا استوى على العرش بلا كيف، فإن الله تعالى أنهى إلى أنه استوى على العرش، ولم يذكر كيف كان استواؤه.

وأنه مالك خلقه، وأنشأهم لا عن حاجة إلى ما خلق، ولا لمعنى دعاه إلى أن خلقهم، لكنه فعال لما يشاء ويحكم ما يريد، لا يسأل عما يفعل والخلق مسئولون عما يفعلون، وأنه مدعو بأسمائه الحسنى، وموصوف بأسمائه التي سمى ووصف بها نفسه وسماه ووصفه بها نبيه عليه السلام، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يوصف بما فيه نقص أو عيب أو آفة؛ فإنه عز وجل تعالى عن ذلك، وخلق آدم عليه السلام بيده، ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بلا اعتقاد كيف يداه؛ إذ لم ينطق كتاب الله تعالى فيه بكيف] .

هكذا ابتدأ رحمه الله، وكأن الراوي حذف المقدمة؛ لأن عادة المؤلفين البدء بمقدمة فيها حمد الله والثناء عليه والشهادتان، والدوافع التي تدفع إلى ذلك الموضوع، وبيان الموضوع، ولم يذكر في هذه الرسالة، فإما أن يكون المؤلف اقتصر على العقيدة بنفسها ولم يذكر المقدمة، وإما أن يكون بعضهم اختصر المقدمة وترك ما لا حاجة إليه وذكر ما إليه حاجة.

والخطاب بقوله: [اعلموا] عام للمسلمين الذين يقبلون الإرشادات والتعليمات والنصائح التي توجه إليهم؛ فإنهم هم الذين ينتفعون بما أمروا به، فالأمر بقوله: [اعلموا] أمر إرشاد وتوجيه ونصيحة، ومعناه أنه يأمركم، فإذا أردتم الخير وامتثلتم فإنكم مفلحون، ومن خالف ذلك وصد عنه فإنه يعتبر مخالفاً للنصيحة راداً لها.

دعا المصنف في أول هذه العقيدة بالرحمة، فقال: [رحمنا الله وإياكم] ، وبدأ لنفسه فدعا بالرحمة ثم دعا بعد ذلك للمخاطبين بالرحمة، وهو دليل أيضاً على أنه يعترف بصفة الرحمة، أن الله تعالى واسع الرحمة، وأنه رحيم بعباده، والرحمة صفة فعلية يرحم الله بها من يشاء من خلقه، وقد اشتق منها لله سبحانه وتعالى أسماء كالرحمن والرحيم، وهما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر، فالرحمة صفة لله تعالى ثابتة يرحم بها من يشاء من خلقه، وكذلك وضع الرحمة في قلوب عباده، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله جعل الرحمة مائة جزء، وأنه وضع حزءاً منها بين العالمين يتراحمون به حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، وتلك الرحمة وضعها الله تعالى في قلبي الأبوين ونحوهما.

والرحمة في حق المخلوق رقة وشفقة على من يرحمه، فهو يرق قلبه أيضاً، أشفق عليه حتى حرص على إيصال الخير إليه ودفع الشر عنه، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من لا يَرحم لا يُرحم) ، وقال لمن رأى قلبه قاسياً: (أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟!) ، فأفاد بأن الله يضع الرحمة في القلوب، والكلام هنا في أن الله رحيم بالعباد وأنه يرحم من يشاء، كما في قوله تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} [العنكبوت:٢١] ، وأن من رحمه فقد سعد، كما في قوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:٥٤] ، وقال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [الأعراف:١٥٦] .

<<  <  ج: ص:  >  >>