يروى عن البخاري رحمه الله أنه كان يقول: لفظي بالقرآن مخلوق.
فما توضيح هذه العبارة؟
الجواب
رويت عنه هذه المقولة، وبعضهم أنكرها، وبعضهم اعتذر عنه، البخاري رحمه الله ألف كتابه الذي هو صحيح البخاري، وفي كتاب التوحيد ذكر الأدلة على إثبات أن الله متكلم وأن القرآن كلام الله، أوضح ذلك أتم إيضاح، ثم ألف كتابه (خلق أفعال العباد) يرد به على المعتزلة الذين يقولون: إن الله لا يقدر على خلق أفعال العباد، وإن العباد هم الذين يخلقون أفعالهم.
وينكرون أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويعطي ويمنع، فأثبت بهذا الكتاب خلق أفعال العباد.
ولا شك أن كلمة (لفظي بالقرآن مخلوق) فيها احتمالان: احتمال صحيح واحتمال غير صحيح، فالصحيح إذا أريد بها: حركة لساني وشفتي ولهواتي.
فهذه مخلوقة، فإن الله هو الذي خلق الإنسان وخلق أفعال الإنسان، فكونك تحرك شفتيك أنت الذي حركتها، ولكن الذي أقدرك على ذلك هو خالق العبد وخالق أفعاله، فإذا أريد باللفظ حركات الإنسان وحركات لهواته فهذا معنى صحيح.
وأما المعنى الذي ليس بصحيح فهو أن يراد باللفظ الملفوظ، (لفظي) يعني: ما أتلفظ به وما يخرج مني عند التلفظ بالقرآن، فإذا قرأت -مثلاً-: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:٥] فهذه الألفاظ التي تلفظت بها إن كان يريد أنها مخلوقة فهذا ليس بصحيح، بل هو قول بعيد باطل يتنزه عنه البخاري وغيره.
والحاصل أنها إن ثبتت عن البخاري فهو يريد بذلك حركات العبد، وإن لم تثبت فهو الأولى، والذين نهوا عن ذلك أرادوا بذلك النهي عن يعتقد أن اللفظ هو الملفوظ، كأنهم يقولون: إننا إذا سهلنا لهم أن يقولوا: اللفظ بالقرآن مخلوق دعاهم ذلك إلى أن يقولوا: إن لفظي بالقرآن مخلوق.